مدني: جعفر باعو أحمد الطيب على بعد كيلومترات قليلة من كوبري حنتوب من الناحية الشرقية، تجد عدداً من المنازل المشيدة بطريقة هندسية رائعة وامام كل منزل مساحة كبيرة من الاراضي الزراعية، سنوات وانا ابحث عن سر هذه المنازل المشيدة في العراء وليس بها بشر ولم اجد اجابة، حتى مراسل «الإنتباهة» بولاية الجزيرة لم يجد تفسيراً لوجود تلك المنازل والكثير منها خالٍ من السكان، وظل في رحلة بحث دائمة عن صاحبها ولكن لم يجد اجابة شافية، بعض سكان الولاية ابدوا استغرابهم عن تلك المنازل ولماذا هي خالية، غالبية اهل ود مدني من الذين التقينا بهم لا يعرفون شيئاً عن تلك المنازل، ويعتقد البعض انها بنيت لاستقبال عدد من اللاجئين من الحرب، الا انني وجدت اخيراً التفسير في «آخر الليل» بأخيرة «الإنتباهة» الاسبوع الماضي حينما كتب الاستاذ اسحاق احمد فضل الله عن البحث عن الفقراء في ولاية الجزيرة، ففضلنا التوجه لولاية الجزيرة والبحث عن بداية سر تلك المنازل، وعن حقيقة عدم وجود اسر فقيرة يسكنون فيها ومعها مشروعاتها الزراعية.. بداية القصة الشيخ حاج سعيد لوتاه مستثمر من نوع خاص، وقد بدأت فكرة الاستثمار في السكن المنتج لديه بعد تفكير عميق في القرآن الكريم الذي يحث على اطعام المسكين، ونبعت فكرة انشاء منازل للاسر الفقيرة ومعها مساحات زراعية منتجة حتى يتحول الفقير من نقطة «الأخذ للعطاء». ففي المكاتب الادارية التى تقع وسط مشروع السكن المنتج وجدنا المستشار القانوني لمجموعة الشيخ حاج سعيد لوتاه الاستاذ عمر عبد الجليل، ثم من بعده جاء نائب المدير العام للمجموعة المهندس الحسين على المحمدي الذي حدثنا عن فكرة المشروع وبداياته واهدافه التى يأتي في مقدمتها تحقيق الامن الغذائي للاسر الفقيرة من خلال الانتاج ومن ثم تخفيض اسعار كافة الخضروات والألبان وغيرها من المواد الغذائية، وقال الحسين إن المشروع به وحدة سكنية تتكون من غرفتين وحمام ومطبخ وصالة ملحقة، وامام كل منزل توجد ثلاثة أفدنة من الارض الخصبة والتى تزرع عبر برنامج حسب التركيبة المحصولية لكل سنة، حيث توجد مساحة لزراعة الوريقات وغيرها مساحة للخضروات بمختلف انواعها الى جانب زراعة الحبوب والفواكه، واضاف الحسين ان كل مزارع بعد ان يطبق هذه الخطة يدخل في برنامج الثروة الحيوانية، حيث يتم تدريبه على كافة المراحل التى تتطلبها الثروة الحيوانية، ثم يعطى ابقاراً وماعزاً وضأناً، الى جانب الاسماك والدجاج والمناحل، ليصبح المزارع يمتلك كل ما يحتاجه لمعيشته ويبيع الفائض من حاجته في الاسواق، مما يسهم بصورة كبيرة في خفض الاسعار، وهذا من اهم اهداف المشروع. المساحة وشروط السكن ويواصل المهندس الحسين حديثه ليقول ان المساحة الكلية للمشروع هي الف ومائتا فدان، وتم انجاز المرحلة الأولى ببناء مائة واحد وعشرين منزلاً، اما المرحلة الثانية فهي تشمل مائتين وستة عشر منزلاً، ونجحت المجموعة بالتنسيق مع ولاية الجزيرة في تسكين خمسين أسرة وبقية المنازل جاهزة لإسكان البقية، وقال الحسين ان التسكين كان يتم في السابق عبر وزارة المالية بالولاية، الا ان حكومة الولاية الجديدة حولت الاسكان لوزارة الشؤون الاجتماعية عبر شروط ومعاينات حتى يحقق المشروع اهدافه، وفي مقدمة هذه الشروط ان يكون الساكن ناشطاً اقتصادياً، اي مزارع وله اسرة ويقع تحت دائرة الفقر، الا ان البعض تخوف من ذهاب هذه المنازل لاشخاص لا يستحقونها، وابدى عدد من الناشطين تخوفهم من هذا، الا ان المستشار القانوني للمجموعة قال لنا انهم يقفون عند اختيار الاسر الفقيرة ويجرون لها معاينات صعبة حتى لا يضيع هدف هذا المشروع. واضاف ان نائب المدير العام المهندس الحسين هو خريج زراعة ويعلم طبيعة المزارعين مما يسهل علينا كثيراً في اختيار المستحقين، ولا مجال للخداع في هذا، وأوضح عمر ان اي مزارع يكون مستحقاً يتم وضع برنامج تأهيلي له ويمنح كافة الاحتياجات حتى ينتج ويصل دخله عشرة آلاف جنيه، ثم يتحول السكن والمشروع بعد ذلك الى إيجاري. المشروع صديق للبيئة ويرى الحسين ان جل الأمراض التى تصيب الانسان نتيجة لسوء التغذية، ولذا فإن هذا المشروع يحقق الامن الغذائي للفقراء من مزارعي ولاية الجزيرة، وقال إن جميع الطرق التى تستخدم في المشروع هي صديقة للبيئة، حيث الكهرباء والمياه من خلال الطاقة الشمسية، ويمنع تماماً استخدام المبيدات والكيميائيات مما يجعل المحاصيل المنتجة والخضروات اكثر صحية من غيرها التى تستخدم فيها الكيميائيات، واشار الى ان المزارع يبدا اولاً بزراعة الوريقات التى تنتج بعد اقل من شهر مما يضمن استقراره الغذائي. واكد الحسين ان هذا المشروع سيملك للمواطنين بعد نهايته ليصبح ملكاً لهم ويزرع بالطرق العملية التى يعلمونها المزارعين. وفي ذات الاتجاه ذهب المدير التنفيذي للمجموعة والمدير العام للمشروعات الخارجية محمد الثوباني، وقال انهم شعروا بتعاون كبير من حكومة ولاية الجزيرة الاخيرة اكثر من السابق، هذا الى جانب الكثير من التسهيلات التى وجدوها من حكومة السودان مما شجع الشيخ حاج سعيد على فتح استثمارات جديدة في السودان، واشار الثوباني الذي تحدث ل «الإنتباهة» عبر الهاتف من مدينة دبي إلى أن هذا المشروع منفذ في عدد من الدول العربية منها مصر والمغرب واليمن الى جانب سيرلانكا، ويهدف المشروع الى تحويل الفقراء من متصدق عليهم الى متصدقين، وتحويل غذائهم من المواد الكيميائية الى مواد صحية، وقال الثوباني: إننا نتقدم بالشكر الخاص للدكتور مصطفى عثمان اسماعيل وزير الاستثمار لايصاله فكرة المشروع لرئيس الجمهورية الذي وجه بتذليل كل العقبات من امام الشركة، مما جعل الشيخ حاج سعيد يعلن عن الدخول في استثمارات جديدة في مختلف المجالات في السودان من بينها مصارف إسلامية. فيما أكد الحسين ان الهدف هو تطبيق هذا المشروع في كافة ولايات السودان تقليل حدة الفقر، ومن بين خططه اخراج مليون اسرة فقيرة من الفقر، ويتحقق ذلك بالمثل الذي يقول «لا تعطيني سمكاً بل علمني كيف اصطاد»، وقال الحسين ان المشروع ملحق معه مستشفى دولي اطلق عليه اسم مستشفي الام، وبه غرفة جراحة وقسم للنساء والتوليد والاطفال وعمليات قيصرية والاشعة والمعامل بكافة اجهزتها، مشيراً الى انهم جهزوا المستشفى من كل شيء يحتاجه الطبيب ولم يتبق سواء الكادر العامل، واضاف الحسين ان المشروع لم يغفل التعليم وعمل على فتح مدارس في محلية ام القرى والتخطيط لانشاء مدارس في المشروع، هذا الى جانب وجود المركز التقني الذي يعمل على تعليم الحرف المختلفة وفيه كافة الصناعات لتأهيل الشباب لسوق العمل حسب رغباتهم، والحاج سعيد يقول دوماً: من تعلم مهنة تملك ورشة. ارتياح المزارعين والدعوة للفقراء العم كوة جاء من مدينة كادوقلي بولاية جنوب كردفان في عام 1971م باحثاً عن العمل في مشروع الجزيرة، ومنذ ذاك التاريخ والعم كوة يعمل بالايجار عند اصحاب المشروعات، وتزوج بالجزيرة وكون اسرة ولا يمتلك حرفة غير الزراعة التى يربي منها ابناءه، وما ان طرحت فكرة مشروع المزراع المنتج حتى كان العم كوة داؤود احد الذين تسلموا منزلاً وثلاثة أفدنة، وشعر بالارتياح الشديد وهو يمتلك مشروعاً ومنزلاً بعد ان جاء للجزيرة في القرن الماضي، ووجدنا العم كوة في مزرعته يعمل بنشاط وهمة وسألته عن المشكلات والصعاب التى تواجهه في عمله الجديد، فضحك وقال لي انه الآن يمتلك منزلاً رائعاً وثلاثة أفدنة لم يكن يحلم بها، ويزرع الخضروات والمحاصيل المختلفة دون ان يجد عقبات، وقال كوة انه سكن في منزله الجديد في يناير من العام الماضي، والآن الحمد لله يعمل على تربية الاسماك والضأن والابقار والدجاج الى جانب زراعة الفول واللوبيا والخضروات، والحمد لله اوضاعه افضل بكثير من السابق، واضاف كوة ان مهندسي الشركة يتابعون معهم كل الاعمال التى ينفذوها في المشروع. وعلى ذات النهج اتفق عاطف مصطفي مع العم كوة، وقال انهم شعروا بالاستقرار في المشروع الذي حولهم من عمال الى اصحاب ملك، وكذلك اكد طارق صديق على استقرارهم وتأمين غذائهم افضل من السابق، وشكروا الشيخ حاج سعيد لوتاه على تحويلهم من اسر معدمة الى منتجة عبر هذا المشروع الجميل، وقال طارق إن الكهرباء في المشروع تعمل بالطاقة الشمسية ويتمتعون بها طوال الليل دون قطوعات، أما المياه فإنها تتوقف بعد غياب الشمس لأنها ايضاً تعمل بالطاقة الشمسية. في انتظار قوائم الأسر الفقيرة خرجنا من المشروع ونحن نفكر في المنازل الخالية من الأسر الفقيرة في المشروع وتبحث عمن يسكنها، والأفدنة التى امامها مزروعة بافضل الخضروات والمحاصيل، وكان لا بد لنا من معرفة السر في عدم وجود أسر فقيرة لهذا المشروع المنتج، وبعد اتصالات عديدة التقينا وزير الشؤون الاجتماعية بالولاية الفاتح الحسين الحسن الذي قال لنا انه استلم ملف هذا المشروع منذ ايام قلائل فقط، واوضح الفاتح ان المشروع كان متابعاً من قبل وزارة المالية، والأسر التى سكنت في المشروع سكنت عبر وزارة المالية، مشيراً الى انه بعد دراسة ملفات المشروع عمل على التنسيق مع محليات ود مدني الكبرى وشرق الجزيرة ومحلية ام القرى لحصر الاسر الفقيرة بتلك المحليات حتى يتم تسكين المستحقين وفق الشروط في هذا المشروع، واكد الفاتح عملهم المتواصل من اجل القضاء على الفقر في الولاية ان كان عبر مشروع لوتاه او غيره من المشروعات التنموية الاخرى، اما مدير ادارة الاستثمار بوزارة المالية بدر الدين عوض فقد قال لنا ان شركة لوتاه جاءت للادارة بعد ان واجهتها بعد الاشكاليات في التخليص والطرق القومية، وعملنا على تذليل كل العقبات التى واجهتهم باعتبارها تعمل في مجال الاستثمار في الولاية. وأكد بدر الدين انهم في ادارة الاستثمار يبذلون الكثير من الجهد من اجل توفير بيئة استثمارية جيدة لكل المستثمرين بالولاية.