تعدُّ العاصمة السعودية الرياض واحدة من كبريات المدن العربية؛ فهي مدينة مزدهرة وبها بعض أجمل المنشآت العمرانية في المملكة ومنطقة الخليج عموماً وقد بناها جلالة المغفور له الملك عبد العزيز مؤسس الدولة السعودية القائمة وبذل أبناؤه الملوك والأمراء من بعده جهوداً جبّارة حتى تكون مدينتهم على ما هي عليه من العمران والرقي الآن. تقع الرياض في هضبة نجد وسط شبه الجزيرة العربية وهي لذلك تتوسط منطقة صحراوية حيث تمتد شرقها صحراء الدهناء وإلى الغرب منها صحراء النفود ولكنها مع ذلك نمت وتوسعت في هذا العهد الزاهر وأصبحت مدينة عصرية حديثة بكل المقاييس. ومن أرقى مناطق الرياض أحياء العليا والسليمانية والملز والرائد والأحياء التي تقع في شمال المدينة وهي تتميز بالتخطيط العمراني الحديث والشوارع الواسعة والطرق الدائرية وتكثر بها الجسور والأنفاق. والرياض هي المقر الرئيس للأسرة المالكة التي يسكن معظم أفرادها في حي المعذر، كما يسكنها كثير من الأسر النجدية المتحضرة من كافة القبائل والمناطق. توجد في الرياض أحياء عريقة جداً أولها مدينة الدرعية القديمة وهي منشأ حكم آل سعود وحركة الشيخ محمد عبد الوهاب السلفية التي تحالفت مع الأسرة المالكة حتى بسط آل سعود ملكهم بعد التغلُّب على منافسيهم من آل رشيد في حائل ونجد والأشراف في الحجاز ودانت لهم المناطق الأخرى وانتشر على إثر ذلك المذهب الحنبلي والفكر السلفي الذي يقوم على صحة العقيدة ومحاربة الدجل والشعوذة والبدع في الدين وبعدها استقام الأمر لآل سعود حتى يومنا هذا. وهناك مباني أثرية لعل من أهمها قصر المصمك الذي يقع في حي الديرة وسط الرياض وهذا الحي يمثل مدينة الرياض القديمة وهو شبه مهجور حالياً إلا أن بها بعض الأسواق والمباني الحديثة ويتوسطها مسجد الإمام تركي وهو المسجد الكبير في المدينة. ومن الأحياء العريقة في الرياض حي منفوحة وهي قرية يعود تأريخها إلى العصر الجاهلي وكانت سكناً للشاعر المشهور أعشى قيس وما يزال هناك شارع يحمل اسمه في هذا الحي القديم؛ وعلى مقربة منها يوجد حي غبيراء وهي أيضاً من قرى نجد القديمة ولكنها من أحياء الرياض الشعبية الآن؛ وهي من المناطق التي يكثر فيها وجود الأسر السودانية وبها كثير من المحلات التي تبيع المنتجات والملابس السودانية والثياب، مع بعض أشهر المطاعم التي تقدم المأكولات الشعبية السودانية بأنواعها. تمتاز الجالية السودانية المقيمة في الرياض بتنوع كوادرها في مختلف التخصصات المهنية والثقافية والإعلامية والفنية.إلا أنها لم تفلح حتى الآن في تقديم الثقافة والعادات والتقاليد السودانية للجاليات العربية والمواطن السعودي ولأبنائنا المغتربين كما ينبغي. ولذلك لا نستغرب عندما يخاطبنا الشباب السعودي مستهزءاً «أي يا زول عليك الله داير شنوه» أو أن يسألك عن الكمونية. ولكن يا ترى ما علاقة الزعيم الأزهري بهذا الكلام ولماذا اختار سيادته الإقامة في هذا الحي بالذات؟ هل يريد أن يكون قريباً من بني وطنه كما كانت عادته دائماً أم ماذا؟ هناك قصة لا تخلو من طرافة وراء هذا العنوان. ذلك لأن الشباب السوداني الذي ولد وتربى وعاش في بلاد المهجر وخاصة في منطقة الخليج لا يعرف تلك الشخصيات العظيمة التي تركت بصمات واضحة على صفحات التأريخ السوداني المعاصر. فقد طرح أحد الأخوان هذا السؤال على مجموعة من الشباب السودانيين الذي كانوا يحضرون احتفالاً بمناسبة وطنية سودانية: من هو إسماعيل الأزهري؟ ودار على عدد من الحضور الذين قالوا إنهم لم يسمعوا بهذا الاسم؛ ومن تجرأ على الكلام محاولاً الإجابة سأل عدداً من الأسئلة مثل: هل هو لاعب كرة قدم؟ هل لعب في الهلال أم المريخ؟ هل هو مغنٍ أو رجل أعمال؟ ولكن واحداً من الشباب سأل بكل براءة: هل هو ساكن معنا في غبيراء وما نوع سيارته؟ إن مثل هذه المواقف تكشف وتدل بوضوح تام على أن ثمة أمراً غير عادي يجب الانتباه إليه وهو أن أبناءنا وبناتنا الذين يطلق عليهم « شهادة عربية» بحاجة إلى برنامج مكثف في تاريخ السودان وجغرافيته وثقافته لأنهم وبكل أسف ضحية لعوامل ليس لهم فيها يد ولكنهم مطالبون بحكم انتمائهم لهذا البلد أن يلموا بطرف من المعلومات الأساسية عنه. ولعلنا ننحي باللائمة هنا على الآباء والأمهات الذين يصورون السودان على أنه هو الجحيم بعينها أمام أطفالهم وبذلك يضعفون الشعور بالانتماء للوطن في نفوس هؤلاء الأبرياء.إذاً فالمطلوب تضافر الجهد الرسمي والشعبي لعرض بضاعتنا الثقافية عبر أنشطة مبرمجة وجاذبة وجيدة الإعداد في المهجر. أما أستاذنا البروفسور حسن أبو عائشة وأركان حربه من إدارة وهيئة التدريس في جامعة المغتربين التي يتقدم لها معظم الطلاب من المهجر، فتقع على كاهلهم مسؤولية إضافية ألا وهي وضع مقررات دراسية اختيارية في اللهجة والثقافة السودانية العامة تؤهل هؤلاء الطلاب للعيش في المجتمع السوداني مستقبلاً وإلا تخرّج من هذه الجامعة الوليدة شباب يحملون شهادات جامعية في مختلف التخصصات ولكن ينقصهم مكون أساسي يعد من ضروريات ومتطلبات الهوية الوطنية. ذلك لأنهم بحكم دراستهم في هذه الجامعة التي أنشئت خصيصاً لهذه الفئة من الدارسين سيكونون معزولين تماماً عن بقية التيارات الطلابية الأخرى وسيحرمون من كثير من المعلومات والمهارات التي كان من الممكن أن يكتسبوها لو أنهم التحقوا بالجامعات الأخرى التي يأتيها أبناء وبنات السودان من كل حدب وصوب بعاداتهم و تقاليدهم ولهجاتهم ورطاناتهم وبذلك يتم بينهم نوع من التمازج والانصهار الضروري لتكوين الشخصية وربما الهوية أيضاً.