- الرياض [email protected] تعد العاصمة السعودية الرياض واحدة من كبريات المدن العربية ؛ فهي مدينة مزدهرة و بها بعض أجمل المنشآت العمرانية في المملكة و منطقة الخليج عموماً وقد بناها جلالة المغفور له الملك عبد العزيز مؤسس الدولة السعودية القائمة وبذل ابناؤه الملوك والأمراء من بعده جهوداً جبارة حتى تكون مدينتهم على ما هي عليه من العمران والرقي الآن. تقع الرياض في هضبة نجد وسط شبه الجزيرة العربية وهي لذلك تتوسط منطقة صحراوية حيث تمتد شرقها صحراء الدهناء وإلى الغرب منها صحراء النفود ولكنها مع ذلك نمت وتوسعت في هذا العهد الزاهر وأصبحت مدينة عصرية حديثة بكل المقاييس. ومن أرقى مناطق الرياض أحياء العليا والسليمانية والملز والرائد والأحياء التي تقع في شمال المدينة وهي تتميز بالتخطيط العمراني الحديث والشوارع الواسعة والطرق الدائرية وتكثر بها الجسور والأنفاق. و الرياض هي المقر الرئيس للأسرة المالكة التي يسكن معظم أفرادها في حي المعذر، كما يسكنها كثير من الأسر النجدية المتحضرة من كافة القبائل والمناطق. توجد في الرياض أحياء عريقة جداً أولها مدينة الدرعية القديمة وهي منشأ حكم آل سعود وحركة الشيخ محمد عبد الوهاب السلفية التي تحالفت مع الأسرة المالكة حتى بسط آل سعود ملكهم بعد التغلب على منافسيهم من آل رشيد في حائل و نجد والأشراف في الحجاز ودانت لهم المناطق الأخرى وأنتشر على إثر ذلك المذهب الحنبلي و الفكر السلفي الذي يقوم على صحة العقيدة و محاربة الدجل والشعوذة والبدع في الدين وبعدها استقام الأمر لآل سعود حتى يومنا هذا. وهنالك مباني أثرية لعل من أهمها قصر المصمك الذي يقع في حي الديرة وسط الرياض وهذا الحي يمثل مدينة الرياض القديمة و هو شبه مهجور حالياً إلا أن بها بعض الأسواق والمباني الحديثة ويتوسطها مسجد الأمام تركي و هو المسجد الكبير في المدينة. و من الأحياء العريقة في الرياض حي منفوحة وهي قرية يعود تأريخها إلى العصر الجاهلي و كانت سكناً للشاعر المشهور أعشى قيس ولا يزال هنالك شارع يحمل اسمه في هذا الحي القديم؛ وعلى مقربة منها يوجد حي غبيراء وهي أيضاً من قرى نجد القديمة و لكنها من أحياء الرياض الشعبية الآن؛ وهي من المنطاق التي يكثر فيها وجود الأسر السودانية وبها كثير من المحلات التي تبيع المنتجات والملابس السودانية والثياب، مع بعض أشهر المطاعم التي تقدم المأكولات الشعبية السودانية بأنواعها. تمتاز الجالية السودانية المقيمة في الرياض بتنوع كوادرها في مختلف التخصصات المهنية والثقافية والإعلامية والفنية.إلا أنها لم تفلح حتى الآن في تقديم الثقافة والعادات والتقاليد السودانية للجاليات العربية والمواطن السعودي أبناءنا المغتربين كما ينبغي. ولذلك لا نستغرب عندما يخاطبنا الشباب السعودي مستهزءاً " أي يا زول عليك الله داير شنوه" أو أن يسألك عن الكمونية. ولكن يا ترى ما علاقة الزعيم الأزهري بهذا الكلام و لماذا اختار سيادته الإقامة في هذا الحي بالذات؟ هل يريد أن يكون قريباً من بني وطنه كما كانت عادته دائماً أم ماذا؟ هنالك قصة لا تخلو من طرافة وراء هذا العنوان. ذلك لأن الشباب السوداني الذي ولد وتربى وعاش في بلاد المهجر وخاصة في منطقة الخليج لا يعرف تلك الشخصيات العظيمة التي تركت بصمات واضحة على صفحات التأريخ السوداني المعاصر. فقد طرح أحد الأخوان هذا السؤال على مجموعة من الشباب السودانيين الذي كانوا يحضرون احتفالاً بمناسبة وطنية سودانية : من هو إسماعيل الأزهري؟ و دار على عدد من الحضور الذين قالوا إنهم لم يسمعوا بهذا الاسم؛ ومن تجرأ على الكلام محاولاً الإجابة سأل عدداً من الأسئلة مثل: هل هو لاعب كرة قدم؟ هل لعب في الهلال أم المريخ؟ هل هو مغني أو رجل أعمال؟ و سأل أمثلهم طريقة بكل براءة: هل هو ساكن معنا في غبيراء و ما نوع سيارته؟ إن مثل هذه المواقف تكشف و تدل بوضوح تام على أن ثمة أمر غير عادي يجب الانتباه إليه وهو أن ابناءاً وبناتنا الذين يطلق عليهم " شهادة عربية" بحاجة إلى برنامج مكثف في تأريخ السودان و جغرافيته و ثقافته لأنهم وبكل أسف ضحية لعوامل ليس لهم فيها يد ولكنهم مطالبون بحكم انتماءهم لهذا البلد أن يلموا بطرف من المعلومات الأساسية عنه. ولعلنا ننحي باللائمة هنا على الآباء والأمهات الذين يصورون السودان على أنه هو الجحيم بعينها أمام أطفالهم وبذلك يضعفون الشعور بالانتماء للوطن في نفوس هؤلاء الأبرياء.إذاً فالمطلوب تضافر الجهد الرسمي والشعبي لعرض بضاعتنا الثقافية عبر أنشطة مبرمجة وجاذبة وجيدة الإعداد في المهجر. أما أستاذنا البروفسور حسن أبو عائشة و أركان حربه من إدارة وهيئة التدريس في جامعة المغتربين التي يتقدم لها معظم الطلاب من المهجر فتقع على كاهلهم مسئولية إضافية ألا وهي وضع مقررات دراسية اختيارية في اللهجة والثقافة السودانية العامة تؤهل هؤلاء الطلاب للعيش في المجتمع السوداني مستقبلاً وإلا تخرّج من هذه الجامعة الوليدة شباب يحملون شهادات جامعية في مختلف التخصصات ولكن ينقصهم مكون أساسي يعد من ضروريات و متطلبات الهوية الوطنية. ذلك لأنهم بحكم دراستهم في هذه الجامعة التي أنشأت خصيصاً لهذه الفئة من الدارسين سيكونون معزولين تماماً عن بقية التيارات الطلابية الأخرى و سيحرمون من كثير من المعلومات والمهارات التي كان من الممكن أن يكتسبوها لو أنهم التحقوا بالجامعات الأخرى التي يأتيها ابناء وبنات السودان من كل حدب وصوب بعاداتهم و تقاليدهم و لهجاتهم ورطاناتهم وبذلك يتم بينهم نوع من التماذج والانصهار الضروري لتكوين الشخصية و ربما الهوية أيضاً.