احترمت وزارة الخارجية كثيراً وهي تأخذ موقفاً إيجابياً في مشكلة وقضية قوات «اليوناميد» حول تقريرها البائس حول نية إعادة زيارتها لمدينة «تابت» بدارفور شمالاً بغرض تحقيق في حدوث حالات اغتصاب جماعية لنحو «200» من النساء، وكفاية تقارير حول ذات الموضوع، الأمر الذي أزعج الحكومة السودانية في كيفية تكذيب هذه التهمة الباطلة والافتراء الذي ذاعته إذاعة وراديو «دبنقا».. واحترامي لوزارة الخارجية جاء بدافع أنها كانت حاسمة في وقت مناسب وسريع مع بداية انطلاق الشائعة، وكان حسمها للأمر أنها أوردت أن اليوناميد تحتاج بفعلتها هذه إلى البقاء اكثر رغم عدم جدواها في توفير الأمن حتى لنفسها.. وخيراً فعلت الخارجية بإعلانها لليوناميد بالمغادرة.. ولا أريد أن أنقل ما ورد أخيراً بالصحف في ما قالته الخارجية نقلاً عنها أنها ألزمت اليوناميد بتحسين أدائها أو المغادرة، ولكن أنقل ما ورد أولاً بالمغادرة، فلم يعد وجودها مفيداً بل مؤذياً للسودان ولقضية دارفور. كتبت في أكثر من مرة بعدم فائدة وجدوى وجود قوات اليوناميد في دارفور، وأنها باختصار هي سبب المشكلة، وتعقد مشكلة دارفور يوماً بعد الآخر.. وأهل دارفور الذين أعملهم جيداً لا يرغبون في وجودها، لكن لا حول لهم ولا قوة.. صحيح أنهم استفادوا منها اقتصادياً في ايجار منازلهم بالدولار وإنشاء منازل راقية بفضل ذلك المال المتدفق هناك منهم صرفاً بذخياً لأغراض دنيئة وأجندة صدئة لضمان وجودهم لتحقيق استراتيجياتهم، وأن يضمنوا أن تظل دارفور هكذا «لا تتقدم شبراً» نحو التنمية ولا الأمن ولا السلام، بل دفعهم للاقتتال وإشعال نيران الفتنتة بين القبائل هناك.. وكل هدفهم هكذا يظل الحال هناك.. صدقوني لا فائدة من وجود هذه القوات هناك، فكلهم «بلقات طافية» لا فائدة منها سوى السوء الذي فيه ولايات دارفور اليوم من صراع وتمرد وفتنة واقتتال بين الأهل الذين تربطهم صلات دم ورحم.. أهل القرآن والمسايد والمساجد والخلاوي. قوات اليوناميد كانت تحرسها قوات الشرطة وتؤمنها.. بالله عليكم ما هذا الاستهبال، وهي القوات التي جيء بها لتوفير الأمن لأهل دارفور، لكنها تحتاج لحماية هي نفسها.. وكذا مرة نُهبت سياراتها من قبل المتمردين وتعيدها لها الشرطة، ويختطف رجالها وتعيدهم الشرطة، أي أمن يتحدث عنه هؤلاء الذي لا يمكن ان يوفروه للناس وهم عُزّل فكرياً منه، وليس ضمن اجندتهم التي جاءوا لاجلها في السودان. انما جاءوا لحياة الرفاهية واللهو واللعب وضياع زمن وأمن اهل دارفور. الامكانات التي توفرت لهم من دبابات واسلحة وذخيرة لو وجدتها القوات السودانية لفعلت بها ما لم يتصوره خيال بشر من تحقيق مفاهيم الأمن والاستقرار والتنمية والتطور. للأسف يقول المثل «يدي الحلق للما عندوش ودان» و «رجيتك يا عبد المعين تعيني لقيتك تتعان» أو هكذا يقولون. تعودت في كتاباتي لمثل هذه المقالات أن استعين بمن هم على دراية بالأوضاع السياسية.. وهذه المرة قلت للأخ المهندس عماد الدين حسين إمام وخطيب مسجد الشهيد محمود شريف بمنطقة بري.. وسألته عن رأيه بمفهوم تأصيلي حول رأي الخارجية في إنهاء وجود اليوناميد في دارفور.. فقال لي بداية «إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين».. وأضاف قائلاً: إنه ذات سيناريو العميل أوكامبو الذي بتقريره الكاذب استطاع أن يدين دولة كاملة في تهم مزورة وكاذبة أصابت حتى رئيسها بتهمة الإبادة الجماعية أيضاً في دارفور.. وذات الفهم يتكرر اليوم في تقارير اليوناميد التي لن تقود إلى ما هو طيب ولا خير لأهل السودان.. وأعجبني تصريحه وربطه بتجربة أوكامبو السابقة بهذه القوات اليوناميد التي تذهب في ذات الاتجاه لإدانة السودان بعد أن علمت أن وجودها اصبح غير مرغوب فيه، وقد أيد عماد الدين ذهابها وقال فيه خير أكثر من بقائها. مليارات الدولارات التي تصرف على هذه القوات لمتعتهم وفسادهم وترفهم وبذخهم في السودان.. فقد صنعوا لهم دولة كاملة داخل دارفور.. فلهم معسكراتهم ومواقع ترفيههم الخاصة بهم التي يفعلون فيها كل ما هو حرام وغير شرعي ولم يجرؤ أحد على منعهم مستغلين طيبة اهل السودان واحترامهم للآخرين.. لكن الخارجية علمت الأمر وحسمته، وهي الادارى في مفاهيم الدبلوماسية، وهي الأكثر فهماً في كيف تحسم كل خارج عن قوانين وضوابط البلد العظيم السودان.. وكما غادرت الأممالمتحدة تذهب اليوناميد بقرار الخارجية غير مأسوف عليها ولا ندم على ذهابها، فقد اضرت أكثر من أن تنفع.. والخارجية لا تخشى في الحق لومة لائم، ولن تتراجع لأن قرارها لا يصدر عن هوى أو تشفٍ بقدرما قراراتها تكون مدروسة في كل ابعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وبالتالي لا ندم ولا تراجع طالما الأمر قد دُرس بسلبيات وجودها من عدمها وجوداً في دارفور وكل السودان. إذا أراد قائد قوات اليوناميد في دارفور شراء سلعة من البقالة أو «السوبر ماركت» تذهب معه كل دبابات القوة وتاتشرات القوة المسلحة، وتغلق لهم الطرقات في دارفور في صورة استفزازية «شبه استعمارية» لم يقبلها إنسان دارفور، لذا يعجبني معتمد «تابت» الهادي العمدة وهو يعد العدة للشروع في تكوين فريق من المحامين والقانونيين لرفع دعوى قضائية ضد اليوناميد وإذاعة دبنقا التي هاجمها بأنها تنتهك أعراض نساء «تابت» وهن شريفات طاهرات.. ولم يتوقف الهجوم على اليوناميد عند قول المعتمد بل تعداه للسيد وزير الثقافة والإعلام بالسلطة الإقليمية لدارفور عبد الكريم موسى، هجوماً كاسحاً على بعثة اليوناميد باعتبار انها تلفق التهم وترفع التقارير الكاذبة للأمم المتحدة، فقط بغرض تمديد فترتها والبقاء في السودان ودارفور تحديداً. وأنا غير مطمئن لبقاء هذه القوات.. وعدم الاطمئنان هذه مبعثه اجابة عن سؤال واحد كم عمر وجود هذه القوات في دارفور والنتائج التي حققتها في حفظ الأمن كهدف استراتيجي واحد جاءت لأجله دارفور؟ واضح من الرؤية الأولى أنها لم تحقق شيئاً واحداً من ذلك الأمن، غير أنها زادت الطين بلةً. صدقوني ذهابها من دارفور سيجعل القوات المسلحة والشرطة والأمن تقوم بدورها كاملاً هناك، واضعين في الاعتبار أن قوات اليوناميد محسوبة ضمن منظومة الأمن، ومساحتها غير مغطية لدورها السالب في العملية الأمنية برمتها. إذا كانت الفكرة دعم دارفور وتأمينها، فقط يكفي أن يكون الدعم بالآليات والأجهزة الفنية والأسلحة للقوات النظامية السودانية لتستفيد منها في توفير الأمن وهي جديرة بذلك.. وهذه المليارات التي تصرفها اليوناميد على متعتها وترفيهها دون دور إيجابي أمني تحققه، كافية لحل المشكلة دون وجود هذا الكم الهائل من القوات والأرتال من مختلف الجنسيات البشرية. شكراً لوزارة الخارجية.. شكراً لحكومة ولاية شمال دارفور.. شكراً لنساء دارفور ورجال دارفور الذين انتفضوا دفاعاً عن أهم ما يملكه الشعب السوداني وهو شرفه. أرجو أن تتحقق أمنية مواطن دارفور بأن تذهب هذه القوات عن ولاياته جزاء ما اقترفته من جريمة لا تغتفر في شرف نساء دارفور ونساء السودان كله.