لا نريد تكرار قصة هروب ياسر عرمان إلى التمرد في شهر سبتمبر من العام 6891م، أي في الربع الأول من العام الأول لحكومة الصادق المهدي المنتخبة في عهد الديمقراطية الثالثة التي خرجت من رحم انتفاضة 6 أبريل الشعبية.. لكن إذا كان هذا هو الهروب الأول له من شيء معين، فإن «ديك المسلمية» يقوم الآن بهروب من شكل آخر.. هو الهروب من (النقد الإعلامي) إن الإعلام لا يرحم من لا يرحم فيه الناس.. فهل يجهل الناس أو ينسوا تصريحات عرمان السخيفة حتى أثناء حملته الانتخابية حينما كان مرشحاً عن الحركة الشعبية؟ و«الطيور على أشكالها تقع» طبعاً.. فعرمان وباقان كلاهما (سجمان ورمدان). وأثناء حديثه في حلقة من سلسلة حملته الانتخابية تطرق الرجل إلى تحريض وتأليب بعض الناس وهو يثير كلاما فيه استثمار في الكراهية، رغم انه كان يقول في برنامج تلفزيوني جمعه مع إسحق أحمد فضل الله كضيف آخر (فرفض الاستثمار في الكراهية) وذلك في سياق مطاعنة للضيف الآخر باعتبار انه يكتب في (الإنتباهة) وحينها كانت الإنتباهة تتبنى خط فصل الجنوب.. فقد كانت صحيفة (فصلية) وليست (انفصالية).. باعتبار ان الفصل يأتي بقرار من الخرطوم، وهذا ما كان يريده منذ خمسينيات القرن الماضي عضو حزب الأمة والسفير الشاعر الأستاذ يوسف مصطفى التني. وأن يضم العميد بحري عبد الرحمن فرح صوته لفكرة فصل الجنوب فليس هذا بدعاً من أعضاء حزب الأمة القومي فقد سبقه التِّني. إن حزب الأمة من التني إلى فرح يقول بلسان الحال (الباب البجيب الريح سدّوا واستريح) والصادق المهدي زعيم الحزب حالياً يبق رجلاً ديمقراطياً يحترم الرأي الآخر، فهو إذن يحترم نتيجة الاستفتاء التي جاءت لصالح الانفصال، فوفرت على عبد الرحمن فرح جهود وإرهاق ومعاناة الفصل. ان خيار (الانفصال) سبق ثمرة جهود (الفصل). المهم في الأمر هو ان عرمان يقوم الآن بالهروب الثاني من الاعلام.. والرجل إذا أراد ان يجد تعليقاً ايجابياً على تصريحاته فلتكن هذه التصريحات على قدر المصداقية والمسؤولية. فمثلاً لا داعي ان يتحدث (ديك المسلمية) عن حكم ذاتي لولايات السودان. فهو يتناقض، فهو يقول بحكم ذاتي لولاية النيل الأزرق. لكن لماذا؟ هل توجد فيها طائفة غير مسلمة من السودانيين هناك؟! فهو يقول ان جنوب كردفان فيها مسيحيون، وهذا ما يجعلها مؤهلة للحكم الذاتي في نظره، لكن ما الذي يجعل ولايات السودان الأخر مثل النيل الأزرق والجزيرة، مؤهلة لذلك؟! هل هو وجود بعض أبنائها في الحركة الشعبية قطاع الشمال؟! إنه ذات معيار تبعية منطقة المسيرية (أبيي) إلى جنوب السودان. لدى دينق الور ورفقاءه في الحركة الشعبية من أبناء دينكا نقوك. وعرمان كيف يرهب من النقد الإعلامي؟! الرجل ظهرت له أصوات صحفية تدعو لعدم انتقاده بصورة قاسية. فما معنى هذا؟! هل هؤلاء معجبون بالرجل أم بقطاع الشمال ام لهم مآرب أخرى في عصا الدفاع عنه؟ (ديك المسلمية) يعوعي وبصلته في النار. هذا حدث لعرمان مرتين.. الأولى حينما اتخذت الحركة الشعبية قراراً بسحبه من التنافس الانتخابي بعد ان فتحت له الوسائط الإعلامية الرسمية وراح يتلفظ في الساحات العامة ألفاظاً عنصرية ليستثمر في الكراهية، ويخدم دون أن يقصد خط انفصال الجنوب.. وليس فصله.. في هذه الحالة، وهو يفهم ماذا نقصد.. كان عرمان يتحدث في حملته بعد صدور قرار السحب ولم يكن يدري (ديك المسلمية يعوعي وبصلته في النار). أما المرة الثانية، فإن الرجل الآن يتعنت في المفاوضات بصورة ببغائية.. ويريد ويرسم له، في وقت حسمت فيه واشنطن الأمر.. ان واشنطن رأت في قادة قطاع الشمال وحركات دارفور المتمردة عدم التأهيل الكافي لتنفيذ مشروعها التآمري لذلك ستجبرهم على التفاوض لتتخلص منهم بهذا الباب، ثم تهيئ المسرح وترصد الميزانيات القادمة لآخرين جدد.. وعدم اكتراثها لبقاء اليوناميد بعد انتفاء الأسباب في دارفور هو سر فكرة استبدال هؤلاء القادة الفاشلين في نظرها رغم الدعم. كل هذا ألا يفهمه عرمان وما زال يعوعي وبصلته في النار.