مع كامل الاحترام والتقدير للسيد الإمام الصادق المهدي زعيم الأنصار ورئيس حزب الأمة القومي، إلا أن الرجل كل يوم تشرق فيه الشمس يصدر تصريحاً غريباً سيما بعد أن اختار مهجره السياسي بكامل قواه العقلية وقدرته الذهنية، ثم وصمه بالهجرة السياسية زوراً ومن أغرب التصريحات للإمام ما أوردته الصحافة المحلية والإقليمية أمس من حديث منسوب له يقول فيه إنه لن يعود للبلاد إلا إذا توافرت البيئة المناسبة، وهو حديث مستغرب من الصادق المهدي، ويجعلنا نطرح عليه السؤال الآتي: أية بيئة تتحدث عنها أيها الرجل؟؟ اطرح السؤال عليه وهو الذي شرع وشرعن لمنبر الحوار الداخلي وقبله مصطلح الكفاح المدني، ويتحول اليوم للحديث عن تحالفات مع المعارضة المسلحة وتتويج اتفاقه الذي كتبه بالأحرف الأولى في باريس بين حزبه وعناصر الجبهة الثورية بقيادة المتمرد مالك عقار، واتفاق باريس خطيئة لن تغتفر للصادق المهدي ويعتبر تحولاً وردة فكرية ومنهجية ومخالفاً لقواعد عقيدته السياسية لحزب الأمة القومي التي وضعها منذ أن حل منظومة ما يسمى جيش الأمة «الفصيل المتمرد لحزب الأمة» أو الجناح العسكري، وأنني شخصياً كنت وما زلت من طلائع الذين يرون أن الصادق المهدي يمثل بيت رأي ومشورة وهو يمثل بيت المهدي، البيت الذي قاتل من أجل رد المظالم عن الوطن وعدم المساس بسيادته لكنني مندهش بأن يتحول اليوم الى ألعوبة بيد يساريي المعارضة وصبيان الحركة الشعبية قطاع الشمال، أما المحير عندي هو تبرير الصادق المهدي لوجوده هذه الأيام خارج البلاد طوافاً بين دول العالم بأنه مساعي وطنية للبحث عن السلام وبالتالي الخشية ليست في عدم أفق حل الأزمة السودانية ولكن في انعدام الأمل والرجاء بالنسبة للسودانيين في خيراً يأتي للوطن من قبل هؤلاء الذين يوصفون بأنهم زعامات تأريخية، والخشية أكبر أن نجد أنفسنا يوماً ما وفجأة بلا زعماء أو عقلاء بسبب الهجرة القسرية التي يمارسها الكبار على أنفسهم ويظهرون البلاد وكأنها طاردة للرموز ويضيعون الفرص من بين أياديهم بسبب تساهلهم وهو أمر يتلخص ضرره وخطره في مشهد العنف السياسي الذي نعيشه اليوم والإقصاء الذي يمارس داخل أروقة الأحزاب لكل من يحمل رأياً يخالف رأي السيد أو الإمام أو الرجل الأرفع في الحزب، كما ان السؤال الذي نطرحه أمام الشعب السوداني من الذي أعطى الصلاحية الكاملة لهؤلاء في التحكم بمصائر البلد والعبث بها؟؟ ثم أن الذي يراقب حركة الصادق المهدي السياسية في كل مراحله يجد جملة من المفارقات، منها حديثه أمس عن ضرورة توطين الحوار بالداخل، ويشمل ذلك حوار الحركات وهو يدافع عن الحوار الوطني، فالمفارقة في حديثه بأن يجزم على أهمية الحوار أن يكون خارج الوطن، أما الاتفاق الشامل فيكون في الداخل. ويتحدث في ذات السياق عن توحيد المعارضة من أجل ترميم قضايا الوطن هذا طرح لا يفهم منه شيء سوى أنه يدل بشكل واضح على الخلط والارتباك في مواقف الرجل الذي لم يسلك طريقاً معلوماً في مسيرته ومنهجه السياسي يسهل على الطرف الآخر عملية التعامل معه، ولن يمنح الشعب السوداني أملاً يجعله يفكر في أن الصادق المهدي على استعداد لطي خلافه السياسي الشخصي والتفرغ لقضايا الوطن بدون مزايدة لأنه في هذه الجزئية يتحدث عن وحدة المعارضة، وهو غير مؤهل لتوحيد معارضي حزب الأمة في كيان واحد فإن فعل ذلك سيكون مؤهلاً لإقناع الآخرين، وهو لا يمتلك أدوات إنتاج الفرص للتوصل إلى اتفاق يعوض أهل السودان معاناتهم مع السياسيين منذ الاستقلال وحتى اليوم. والصادق المهدي نفسه حكم في ثلاثة حقب مع ديمقراطيتين بحسب وصفهم، ثم بدأ مع نميري حقبة المصالحة وهرب، ومع الإنقاذ التي يحكم فيها بالأصالة كما يعلم الجميع، وفي كل ذلك فإن الصادق لا يعيش إلا وهو معارض ومضطرب المواقف وذلك يعود لعدم قدرته على تحمل المسؤولية. ففي عهد الديمقراطية فشل الرجل في الدفاع عن نفسه وهو يمثل رمزية الدولة وهيبتها وكشف ظهره للإعلام ليضرب ثم سقط تحت سقف الحريات السياسية التي جردته من كل شيء حتى عندما ذهب لمقابلة زعيم التمرد جونق قرنق بأديس أبابا رفض الأخير مقابلته بصفته رئيساً للوزراء وأصر على مقابلته بصفته رئيساً لحزب الأمة، ووافق الرجل على ذلك، فهل هناك زلة أكثر من هذه؟ ولذلك يتعين على الإمام أن يوطن نفسه في قضايا الوطن بدلاً عن هذه الربكة من خلال التعابير الشفوية وسحر الأمثال الشعبية التي لا يعادلها منطق عملي غير أنها قمة العجز وخرافات لا تعرف طريقها في عالم ممارسة السياسة اليوم ولا تحرك ساكناً مع جيل هذا العصر الذي أصبح ينتزع حقوقه بقوة المنطق والحجة ويعمل بحرفية في مستويات عدة وبيئات لا يتلاءم معها مفهوم الإمامية القديم الذي يميز بين الحواريين وشيخ الطريقة وزعيم الحزب ومع عالم الشفافية الآن انتهى كل طرح مشروخ ومزعوم عما يشاع عن ديمقراطية حزب الإمام المنقوصة. وإنني استغرب جداً في محاولات الصادق المهدي تجريد أصحاب الآراء الجريئة داخل حزبه ومحاصرتهم بالسيطرة وهو تعويل سيئ واحتيال سياسي لا يستقيم مع تطور العمل السياسي المفتوح الذي بات لا يعرف الحدود ولا السقوفات. سيدي الإمام: كثيرون انصرفوا من حولك لعدم وضوح موقفك ووجهتك وحتى لا تربك الأنصار وحزبهم السياسي أكثر من الذي مضى، فضلاً حدد مسارك كي لا تدخل في مسارات الآخرين ويقع الحادث البشع!!