إذا كانت الساعة الآن التاسعة وعشر دقائق صباحاً، فإن الساعة نفسها في أية «محلية» من محليات ولاية الخرطوم سوف تكون العاشرة والثلث، فقد اعتادت المحليات على «الزيادة». العاشرة والثلث في اليوم التالي... هذا إن لم تكن في الأسبوع القادم. حتى ساعتهم «مقدمة»... وزمنهم فارق. الزيادة عندي تمددت حدود أني أصبحت على يقين أن حاصل ضرب «5*5» = «57» داخل مضمار «المحليات»، فكل شيء زايد في هذه البلد. الأشياء الوحيدة الناقصة في السودان هي «أعمار» السيدات ما عدا ذلك، كل شيء زايد. قابلت سيدة قبل «5» سنوات وهي في سن ال«40»، قابلت نفس السيدة أمس في «واحة الخرطوم» فوجدت أن عمرها أصبح «27» سنة. هل «تُصغِّر» واحة الخرطوم السيدات؟ مرة سمعت وزيراً يتحدث عن «شحذ الهمم». وعن الخطة الخمسية. وعن الاستفادة من الخبرات الأجنبية. وصلاح الأرض، والقضاء على النباتات الطفيلية، ورش المبيدات بصورة علمية. في البدء ظننته يتحدث عن مشروع الجزيرة، فوجدته يتحدث عن حديقة نباتية أمام منزله. وآخر وجدته يتحدث هاتفياً عن استعداده للتضحية وتقديم روحه بلا مقابل. وأنه لن يضن بشيء. توقعته يتحدث عن «الوطن»، فوجدته يتحدث عن «سكرتيرته» التي كانت تستقبل مكالمته بعيداً عن رقابة زوجته. ..... في ظل كل هذه «التخبطات»، قلنا إننا قنعنا من أن نستبدل روائح الفساد بطيب الصلاح والعدل. تلك الروائح التي تزكم الأنوف إن لم تبدلوها، استبدلوا «أنوفنا». احضروا «أنوف» أكثر قدرة على تقبل تلك الروائح... وإن كانت «أنوف» صينية. أو أنوف وارد «جياد». الحكومة «مشكورة» دائماً ترفع «شعارات» محاربتها للفساد، بنية صادقة، ودائماً هي تؤكد أن العام الجديد هو عام القضاء على الفساد. لكن مع كل تلك الشعارات المرفوعة، الفساد في ازدياد دائم، لدرجة أننا أصبحنا نكفر بالشعارات المرفوعة. الشعارات لن تقضي على الفساد. جربتم الشعارات على أمريكا، وروسيا وعلى دحر الملاريا «فلم ينجح أحد». الفساد «المالي» الذي يعلن في كل تقرير مالي صادر للمراجع العام هو أخف وطأة من الفساد الأخلاقي. ليس هناك فساد أخطر من أن يكون في الخرطوم «19» ألف حالة إصابة بالإيدز... ولا إحباط أعلى من أن هنالك «1500» حالة تدخل سنويًا حساب بنك الإصابة ب «الإيدز». العدد يمكن أن يرتفع ويتضاعف في لحظات لأن الخرطوم عاصمة بدون حماية، وقد أضحت الآن بدون «أمان». لو أن الاجتهاد الذي يتم في ملاحقة «مخالفات» المرور، والهمة التي تتم في تحصيل «الإيصالات» الحكومية، لو كانت تتم في مكافحة «الإيدز» والحماية منه لما وصلنا إلى هذا العدد المخيف من الإصابة بالإيدز. كيف تطمئنوا على «أولادكم» في المدارس والطرقات والأحياء وهم يتبادلون يومياً آلات حادة قد تكون ناقلة للمرض من احد الذين أصيبوا عفواً. نقل الدم وإجراء الفحوصات نفسها في المستشفيات عمليات غير آمنة. ..... قديماً سقط رجل من الطابق الرابع ولم يصب ب «مكروه»، غير «الرسوم» التي استخلصتها منه المحلية عندما كان عابراً للطابق الثاني، فقد صادفه موظف جباية وهو في تلك الأجواء قبل ارتطامه بالأرض. في ظل هذه «العتمة»، وضيق الحريات، ليتهم يمنعون شراب «عصير الليمون».