السفير السعودي لدى السودان يعلن خطة المملكة لإعادة إعمار ستة مستشفيات في السودان    مليشيا الدعم السريع تكرر هجومها صباح اليوم على مدينة النهود    منتخب الشباب يختتم تحضيراته وبعثته تغادر فجرا الى عسلاية    اشراقة بطلاً لكاس السوبر بالقضارف    المريخ يواصل تحضيراته للقاء انتر نواكشوط    شاهد بالفيديو.. رئيس مجلس السيادة: (بعض الوزراء الواحد فيهم بفتكر الوزارة حقته جاب خاله وإبن أخته وحبوبته ومنحهم وظائف)    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    شاهد بالفيديو.. رئيس مجلس السيادة: (بعض الوزراء الواحد فيهم بفتكر الوزارة حقته جاب خاله وإبن أخته وحبوبته ومنحهم وظائف)    شاهد بالصور والفيديو.. على أنغام الفنانة توتة عذاب.. عروس الوسط الفني المطربة آسيا بنة تخطف الأضواء في "جرتق" زواجها    المجد لثورة ديسمبر الخالدة وللساتك    بالصورة.. ممثلة سودانية حسناء تدعم "البرهان" وثير غضب "القحاتة": (المجد للبندقية تاني لا لساتك لا تتريس لا كلام فاضي)    المجد للثورة لا للبندقية: حين يفضح البرهان نفسه ويتعرّى المشروع الدموي    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    الناطق الرسمي للقوات المسلحة : الإمارات تحاول الآن ذر الرماد في العيون وتختلق التُّهم الباطلة    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    قرار بتعيين وزراء في السودان    د.ابراهيم الصديق على يكتب: *القبض على قوش بالامارات: حيلة قصيرة…    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام    باريس سان جيرمان يُسقط آرسنال بهدف في لندن    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    صلاح.. أعظم هداف أجنبي في تاريخ الدوري الإنجليزي    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    المريخ يخلد ذكري الراحل الاسطورة حامد بربمة    ألا تبا، لوجهي الغريب؟!    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    ارتفاع التضخم في السودان    بلاش معجون ولا ثلج.. تعملي إيه لو جلدك اتعرض لحروق الزيت فى المطبخ    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



معاً نحو مجتمع خالٍ من الإيدز

الإنسان ذلك الكائن الحي .. معرض على مدى عمره لكثير من الأمراض الحميدة منها والخبيثة، وما يشفى منه في أيام وما يأخذ شهوراً في المداواة والعلاج، وما تصلحه العمليات الجراحية، وما يتم استئصاله بأخرى .. وفي كلٍ يظل الخوف من المرض وعدم الشفاء منه هو الأكبر على الإطلاق .. فكيف إن كان هناك داءٌ ليس له دواء حتى الآن ..؟ فحتى وقت قريب لم يكن في مقدور أي مصاب بمرض نقص المناعة المكتسبة (الايدز) في السودان أن يجاهر بمرضه أو يعلنه للمقريين منه خوفاً من الوصمة الاجتماعية في مجتمع يرى في الإصابة بهذا المرض عاراً اجتماعياً لارتباطه بالسلوك الشخصي للفرد، خاصة السلوك الجنسي.
إن البيئة السودانية المجتمعية بيئة تحكمها العادات والتقاليد والأعراف. لذا، يجيء احترام خصوصية الفرد على رأس قائمة أبجديات التعامل الإنساني على اختلاف جوانبه. ولذلك جاء اكتشاف الإيدز في السودان في مرحلة تعد متأخرة من بداية ظهوره في العالم، حيث تم اكتشاف أول حالة إيدز في أمريكا الشمالية عام 1981م على يد الدكتور مايكل فوتلين وكان ذلك وسط الشواذ جنسياً بينما تم اكتشاف أول حالة إيدز في السودان عام 1986م. ويعزى ذلك إلى عدم التشخيص السليم للمرض في ذلك الوقت، بالإضافة إلى عدم توفر خدمات فحص الدم، كما أن خصوصية المرض وصعوبة اكتشافه لارتباطه بالسلوك الجنسي للفرد المصاب - في مجتمع يُعد فيه مناقشة هكذا أمر من المحرمات - ساعد في تأخر اكتشاف المرض. كذلك من الأسباب التي أدت إلى تفاقم انتشاره وجود السودان وسط دول تعتبر حزاماً للايدز في أفريقيا. فكل الدول المجاورة من ناحية الجنوب والجنوب الغربي، ودول جنوب الصحراء تعد من المناطق ذات الوجود الأكبر لمصابي الايدز في أفريقيا وفقاً لإحصائيات منظمة الصحة العالمية. أضف إلى ذلك موقع السودان الجغرافي وعدم الاستقرار في منطقة شرق أفريقيا والحركة السكانية الواسعة للمواطنين داخل السودان وعبر الحدود بسبب الكوارث الطبيعية والهجرة للعمل والدراسة بالخارج والاتصال الجنسي غير الآمن. كل هذه العوامل أدت إلى سرعة انتشار المرض في بلد يفتقر إلى الإحصائيات الدقيقة في أعداد المصابين وأعداد الذين توفوا جراء الإصابة بالإيدز، بالإضافة إلى عدم وجود ثقافة الفحص الطبي والإرشاد النفسي وما يتميز به هذا المرض من وصمة ونبذ مجتمعي لحامله.
كيف يمكن أن تصاب بالإيدز؟
في بداية ظهور المرض، كان الجهل بطرق الإصابة به يفاقم من هالة الخوف منه. إلا أننا صرنا نعلم الآن أن الإيدز لا ينتقل بواسطة البعوض كالملاريا ولا بالبراز والغبار الملوث كالسل، ولا بالطعام الملوث كالتايفويد، ولا هو ورم سرطاني يمكن استئصاله، وإنما هو فيروس يمكن تجنب الإصابة له إذا اتخذنا التدابير اللازمة لذلك.. الإنسان كائن حي، كرمه الخالق بنعمة العقل لمعرفة ما ينفعه وإدراك ما يضره، بل في كثير من الأحيان ذهب الشارع إلى أبعد من ذلك في كثير من الأحيان في تحليل بعض المحرمات إذا ما تعارضت مع مصلحة الإنسان والحفاظ على حياته ... فإذا علمنا أن 97% من أسباب الإصابة بمرض الإيدز ترجع إلى إحدى الممارسات المرتبطة بالسلوك البشري، فعلينا إذن أن نقوم من هذا السلوك حتى لا نصاب. فما هو هذا السلوك الذي بتجنبه يمكننا تجنب الإصابة بالإيدز. إنه الاتصال الجنسي بكافة أنواعه المهبلي والشرجي والفموي. إذ اتضح أن الاتصال الجنسي مع شخص مصاب يعتبر من إحدى الطرق للإصابة بالإيدز، إذ أن فيروس الإيدز يعيش في سوائل ودم الإنسان. ويأتي الدم الملوث ومشتقاته في المقام الثاني، بالإضافة إلى أن الأم الحامل المصابة تنقل الفيروس إلى جنينها .. أما المشاركة في المحاقن والأدوات الثاقبة للجلد والأمواس وأدوات فحص الملاريا والأدوات التي تستخدم في الوشم والحجامة والفصادة والآلات الجراحية الملوثة أو أي أداة تخرق جسم الإنسان تمثل إحدى العوامل التي ينتقل بواسطتها فيروس الايدز من الشخص المصاب إلى الشخص السليم. لذا يجب عدم التساهل في التعامل مع الأدوات الثاقبة للجلد، وعدم التعرض لأي عمليات نقل مشبوهة إذا لم يتأكد من خلو هذا الدم من الفيروس. وتلعب محاقن تعاطي المخدرات دوراً هاماً في نقل هذا المرض بين متعاطي المخدرات .. كما أن ختان الإناث يعتبر أحد العوامل الرئيسية في انتقال مرض الايدز، إذ أن أكثر من 70% من الإناث يخضعن لعملية الختان .. ولكن يجدر أن نذكر هنا أنه بالرغم من أن كل ولايات السودان موبوءة بالملاريا إلا أن الباعوض لا ينقل الايدز وكذا الذباب والقمل وبقية الحشرات .. وفي بلد كالسودان تلعب فيه العلاقات الاجتماعية دوراً كبيراً، نجد أن المصافحة والمعانقة بين الأشخاص لا تؤدي إلى الإصابة بالمرض، كما أن أواني الأكل والشرب وتبادل الملابس لا ينقل المرض، ولا المشاركة في الحمامات ودورات المياه فلا يد لها في نقل فروس الايدز، مما يجعل دائرة عوامل نقله تنحصر في الطرق التي ذكرناها آنفاً .. فالكل سليم ما لم يتم الفحص عليه عدة مرات أو تكون النتيجة إيجابية.. فمدة حضانة المرض تمتد بين 5 إلى 15 عاماً يبدو فيها المصاب سليماً وبصحة جيدة يأكل ويعمل.. وهنا تكمن الخطورة ...! فحامله لا يبدو عليه المرض مما يمكنه من نقل العدوى بين الناس بعلمه أو بدون أن يدري بذلك.
ماذا يفعل الايدز بنا؟
الايدز مرض مختص بالفئات الشبابية المنتجة ما بين 15-45 عاماً وهو يصيب عادة أجهزة في جسم الإنسان دون هوادة. وفيروس الايدز من الفيروسات القهقرية وكلمة ايدز هي اختصار للكمة الانجليزية Acquired Immune Deficiency Syndrome وتعني بالعربية متلازمة العوز المناعي المكتسب .. ويعيش هذا الفيروس في دم وسوائل جسم الإنسان المصاب ويتركز في الدم والسائل المنوي للرجل والإفرازات المهبلية للمرأة .. وأيضاً بنسبة كبيرة في لبن الأم المصابة .. وهو يهاج جهاز المناعة ويؤدي إلى تدميره. وفي غياب مناعة الجسم تهاجم الفيروسات والطفيليات والفطريات وبعض أنواع البكتريا الجسم وتنتهز الفرصة لتصيب الجيم بأنواع غريبة من العدوى تسمى العدوى الانتهازية، وفي هذه الحالة لا يستطيع الجسم أن يولد أجساماً مضادة قادرة على مقاومة الفيروس ووقفه، وكل ما يستطيع جهاز المناعة عمله هو إنتاج نوع من الأجسام المضادة تكفي فقط لكشف الفيروس ولا تكفي لقتله.
هل أنا مصاب؟
ليس هناك اعتبار لمستوى التعليم أو المهنة أو المستوى الاقتصادي ولا تهم الحدود السياسية أو الجغرافية ولكن هناك مجموعات أكثر عرضة للإصابات بالايدز بحكم المهنة، مثل سائقي الشاحنات لمسافات طويلة والجنود والأطباء والمرضى والسجناء بحكم ظروفهم المعيشية أو النازحون وبائعات الهوى بحكم سلوكهم الجنسي .. ولكم تبقى الحقيقة أن كل من لا يحافظ على نفسه بالوقاية من الايدز يصبح عرضة للإصابة به.
وإذا علمنا أنه وفقاً للإحصائيات عام 2010م فإن حالات الايدز بلغت 34 مليون حالة في العالم .. وتؤكد منظمة الصحة العالمية أن نسبة النساء المصابات في أفريقيا 57% وأن 45% من الأطفال يولدون مصابين بالايدز مما يدق ناقوس الخطر للمنظمات النسوية العاملة في مجال التوعية الصحية بضرورة مضاعفة دورها وتوسيع دائرة اهتمامها بالشريحة النسائية في التوعية والتثقيف الصحي والإرشادي.
حتى تطمئن .. افحص الايدز...
يعتبر الفحص الطوعي مدخلاً مهماً من مداخل منع انتقال العدوى وانتشارها ويتيح للفرد اتخاذ قراراته بوعي وإدراك مدروسين. وقد وفر المركز القومي للايدز عدداً كبيراً من مراكز الفحص الطوعي التي تقوم بتقديم الخدمات الطبية والنفسية والعلاجية والاجتماعية في سرية تامة بالمحليات الثلاث، أم درمان، الخرطوم وبحري. وكلها تعمل تحت ظل المستشفيات بالمحليات الثلاث حتى يسهل الوصول إليها.
وبالخضوع للفحص الطوعي يمكن للشخص السليم أن يحصل على الإرشاد والتوجيه والدعم ليبقى صحيحاً معافى وأكثر إدراكاً لطرق نقل المرض والوقاية منه .. أما الشخص الذي تثبت إصابته بالمرض بعد الفحص، فإنه يحصل على الإرشاد الغذائي والدعم النفسي والاجتماعي وكما يمكنه الحصول على الرعاية الطبية والوقاية اللازمة ومعالجة الأمراض الانتهازية والحصول على الأدوية المضادة للفيروس، وكما يمكنه أن يقوم بقرارات مدروسة فيما يخص برنامج تنظيم الأسرة من وسائل منع حمل واستخدام عوازل وصولاً لكيفية التعايش الإيجابي مع المرض والتخطيط السليم للمستقبل والتكيف مع الآثار الناتجة عن استخدام (ARVS).
دور الإعلام في التوعية والتثقيف الصحي
إن الأمراض المنقولة جنسياً هي الآن تشكل مشكلة خطيرة على النطاق العالمي بحيث أنها أخطر الأوبئة التي يواجهها العالم. فهي يمكن أن تسبب العمى والعقم والأمل والمعاناة الشديدة بل والوفاة في حالة الايدز. ويجيء التثقيف والتوعية كعاملين مهمين في إنجاح معالجة متلازمات الأمراض المنقولة جنسياً .. وبالرغم من أن التثقيف والتوعية تبدوان كمهارتين مختلفين إلا أنهما تصبحان متداخلتين أثناء التطبيق العملي، فالفرصة التي تسنح لمعالجة المتلازمات بالأمراض المنقولة جنسياً هي أيضاً فرصة مثالية للتثقيف والتوعية معاً.. والتثقيف والتوعية في مجال الأمراض المنقولة جنسياً يواجه صعوبات كثيرة في المجتمع السوداني لارتباطه بالسلوك، ونظراً للوصمة الملتصقة بالأمراض المنقولة جنسياً فإن المريض قد يجد صعوبة في الوصول إلى مركز الفحص ناهيك عن التحدث عن سلوكه الجنسي .. وقد تكون الخدمة صعبة نوعاً ما إلى مقدمي الخدمة أنفسهم، وبذا نحتاج في كثير من الأحيان إلى كسر بعض الحواجز الوهمية والتردد بالتحلي بالثقافة الدينية والمعتقدات المحلية للوصول إلى طريقة مثلى لتقديم الخدمة المطلوبة بالإضافة إلى اختيار الشخص الأمثل لتقديم تلك الخدمة وتزويده بالمعلومات الوافية احتراماً للمريض وخصوصيته .. ولحساسية الأمر وجهل الكثير من قطاعات المجتمع السوداني لكيفية تجنب الإصابة أو الوقاية من المرض كان لا بد من إشراك الأجهزة الإعلامية بكافة أشكالها المسموعة والمرئية والمقروءة، بما في ذلك وسائل الاتصال الحديثة من رسائل عبر المحمول ولافتات وأفلام قصيرة تثقيفية تراعي الإنسان السوداني وبيئته وتنبيهه إلى خطورة المرض وكيفية المساهمة في الحد من انتشاره والوقاية منه.. وعلى مدى ال26 عاماً منذ اكتشاف المرض في السودان .. كان دور الإعلام ضعيفاً وموسمياً فقط .. مما أدى إلى اتساع رقعة المرض في البلاد فتغير السلوك البشري ليس سهلاً، لأن السلوك هو كل ما نفكر به أو نحسه أو نفعله، وهو ليس شيئاً نولد به، فالإنسان يولد بحواسه وخصائصه البدنية ويتأثر ببيئته التي يعيش فيها والنشأة التي نشأ عليها فتتكون عاداته وتقاليده وفقاً لتلك البيئة فتصبح أنماطاً وسلوكاً يتكرر تباعاً .. ومعظم الأنشطة الجنسية تتم بحكم العادة على نحو تلقائي وتحدث دون أن يتعين على الفرد أن يفكر فيها .. لذا كان من الصعب تغيير السلوك البشري الخاطئ إلى سلوك إيجابي ما لم تتوحد الجهود الإعلامية والطبية والتربوية معاً لإحداث ذلك التغيير.
محاولة جادة .. ولكن..!؟
قبل ما يزيد عن الثلاثة أعوام، رأت الدولة متمثلة في وزارة الصحة أن نشر الوعي والمعلومة لا يتم إلا بواسطة المعلم، ونسبة لما للمعلم من دور رسالي في المجتمع يؤهله لكسر كل الحواجز والولوج إلى مناطق العتمة وإنارتها .. كان أن رأت الوزارة إدراج منهج مصاحب للمرحلتين الأساس والثانوية على أن يكون نشاطاً مكملاً للمنهج الأساس الذي يدرس في المدارس يحتوي هذا النشاط المصاحب على التعريف بالأمراض المنقولة جنسياً وكيفية استخدام المهارات الحياتية في تجنبها والوقاية منه وروعي في هذا المنهج الفئة العمرية للطلاب وكيفية إيصال المعلومة لهم بالطرق السليمة .. وبالفعل شارك الكثير من المعلمين والمعلمات بالتدرب أولاً ثم تدريب المعلمين بالمحليات الثلاث ثانياً، ثم إعداد المادة المطلوبة بعد ذلك.. وقد جلب له خبراء من دول كانت موبوءة بالإيدز وسجلت معدلات تراجع كبيرة في القضاء عليه .. وكنت ممن تدربوا وشاركوا في تدريب المعلمين، وممن ساهموا في وضع اللمسات الأخيرة للنشاط المدرسي المصاحب الذي طبع ولكنه لم يرَ النور حتى الآن لضيق أفق الكثير من المثقفين في هذا البلد ... بيد أنه ومن موقع عملي كمعلمة بالمرحلة الثانوية، أجد أن هذا المنهج لا غبار عليه علمياً ودينياً واجتماعياً، بل إن الطلاب وذويهم في حاجة ماسة له حتى يخرج بنا وبهم إلى بر المعرفة التي تجنبنا المرض وتعرفنا الطرق التي تقي أبناءنا والأجيال القادمة شره. علماً بأن الطلاب في المدارس يعرفون ما لا يخطر على بال من منع إنفاذ ذلك المنهج .. وهنا أقول (الوقاية خير من العلاج).
الصحة والتنمية
الإنسان هو أساس التنمية وهدفها، وهنالك ارتباط وثيق بين المستوى الصحي للإنسان وقدرته على الإنتاج والمشاركة في التنمية. وقد قدرت هيئة الصحة العالمية التكاليف الاجتماعية والاقتصادية غير المباشرة للإيدز والتي تتضمن الخسائر العامة في الاقتصاد من انخفاض في الدخل والإنتاجية من 2 إلى 6 أضعاف النفقات الصحية المباشرة.
خصوصية الإيدز وتأثيره على التنمية
يعد الإيدز من الأمراض التي تؤدي إلى انخفاض معدل التنمية وتدني الإنتاج، إذ أنه يصيب الفئة العمرية التي تنحصر بين 15-45 عاماً، وهؤلاء هم الذين يمثلون القوة البشرية العاملة المنتجة في المجتمع وعصب التنمية والاقتصادية ومصدر الدخل الرئيسي لأسرهم، حيث ترتفع نسبة الإعالة على ما فوق ال50% في الدول النامية، وكنتيجة حتمية للإصابة بالإيدز تكون الوفاة للمريض وحامل الفيروس بلا استثناء، ولا يوجد علاج أو لقاح شافٍ حتى الآن .. أضف إلى ذلك أن فترة الحضانة الطويلة الصامتة بدون أعراض تمنح حامل الفيروس من يعاشره جنسياً إحساساً زائفاً بالأمان والطمأنينة، مما يساعد على انتشار المرض وتفشيه على نطاق الأسرة بين الزوجات ومن خلالهن عن طريق أرحامهن إلى مواليدهن الجدد، وفي ذلك أمثلة كثيرة يدمى لها القلب.
وحقيقة الأمر أننا نتعامل مع مرض يعد من أخبث وأعسر الأمراض التي عرفها الإنسان عبر التاريخ.. فوفيات النساء تعد من العوامل الخطيرة التي تهز بنية المجتمع بكامله، كما أن وفاة عائل الأسرة يؤدي إلى انخفاض المستوى الاقتصادي مما يضطر النساء إلى الخروج للعمل فينعكس ذلك سلباً على مستوى الإنتاج والدخل القومي والبنيان الأسري، كما يتأثر الإنتاج نسبة لغياب العاملين إما لمرضهم أو لرعايتهم لأقاربهم. والمعضلة الكبرى تتمثل في الأيتام . فهنالك الملايين في أفريقيا بلا مأوى أو رعاية، بيد أنه يوجد اختلاف في السودان بسبب وجود الأسرة الممتدة في المجتمع السوداني.
إن فقدان الكادر البشري جراء الإصابة بالإيدز لمن العوامل التي تعمق الفقر في المجتمع، وآثار الفيروس المنتقلة من جيل إلى آخر تعمل على خلخلة التركيبة السكانية الهرمية فينعكس ذلك على المجتمع والأسرة، مادياً ومعنوياً.
معاً متعايشين
يبقى العلم والوعي والإدراك هو وسيلتنا لمعرفة المرض وأسبابه وطرق الوقاية منه والتعايش معه. ويظل التثقيف والتوعية طريقاً لا بد للفرد والمجتمع بكافة شرائحه أن يسلكه أملاً في الوصول إلى بر الأمان .. فبالرغم من أن نظرة المجتمع تجاه المتعايشين مع الايدز قد تغيرت كثيراً منذ بداية ظهور المرض، إلا أن التمييز والوصمة ما زالا موجودين وإن قلت حدتهما وصار الكثير من المتعايشين مع الايدز يخاطبون المؤتمرات وورش العمل التي ينظمها المركز القومي لمكافحة الايدز في اليوم الوطني لمكافحة الايدز ويتحدثون عن تجاربهم دون حرج. كما أن حملات التوعية بضرورة التضامن مع المتعايشين مع الايدز أدت إلى تغيير طفيف في السلوك المجتمعي حتى لا يكتسب المريض سلوكاً عدوانياً إذا ما واجه وصمة اجتماعية، مما يدخله في دائرة الانغلاق والبعد عن المجتمع.. لذا على الإعلام ومنظمات المجتمع المدني أن لا يقتصر دورها على اليوم الوطني للايدز فقط، وإنما يجب أن تتعداه إلى برامج طويلة المدى وأخرى قصيرة المدى تشمل كل ما يدور حول الايدز باستخدام كل التقنيات التكنولوجية المتاحة والاستفادة من تجارب الدول التي سبقتنا في هذا المجال. وعلينا أن نعي جميعاً أن من حق كل مريض متعايش مع الايدز أن يعيش دون وصمة أو تمييز، ومن حقه الحصول على حقوقه الاجتماعية والصحية، ومن حقه على المجتمع أن يتقبله وينسجم معه. إذ أن الإصابة بالايدز في كثير من الأحيان تكون خاضعة لملابسات لا دخل للمصاب فيها ولا تتعلق بسلوكه الخاص كما في حالة (العمدة)، ذلك الشاب السوداني الذي ظل متعايشاً مع المرض لمدة 20 عاماً نتيجة لإصابته بمرض الايدز عن طريق نقل دم ملوث نقل له في إحدى المستشفيات. إلا أنه لم يستسلم للمرض أو الوصمة وإنما شارك مع منظمة الصحة العالمية والمركز القومي لمكافحة الايدز في الكثير من المحاضرات وورش العمل حتى توفي عام 2006م (له الرحمة) فكان نموذجاً إيجابياً يحتذى به.
إضاءة
ويبقى الدرس الذي تعلمناه من ارتفاع معدلات الإصابة بالايدز في أفريقيا ومن بينه السودان، أن الوعي بماهية المرض وطرق الوقاية منه وكيفية التعايش معه يساعد في تقليل الأثر الاجتماعي والاقتصادي للمرض، كما أن على الجميع، حكومة ومنظمات وأفراد، الالتزام ببذل الجهد لمكافحة المرض، خاصة المصابين بالعدوى، حيث عليهم أن يسهموا بجهودهم ووقتهم في الحد من انتشار العدوى بالتوعية والتثقيف لكل فئات المجتمع في البدو والحضر. ويبقى التحدي الأكبر الذي يواجه القائمين على أمر المركز القومي للإيدز في توفير الإحصائيات الدقيقة عن المرض وعدد الحالات المتوقعة، بالإضافة إلى ضرورة توفير مراكز تقديم الخدمة العلاجية المجانية للمصابين أسوة بالدول الأخرى .. والعمل على إذابة جليد عدم التحدث في طرق الوقاية المتاحة (العوازل)، والتي تعمل الكثير من المنظمات العاملة في هذا المجال إلى تضييق نطاق توزيعها تجنباً للمساس بالحساسيات الثقافية للسودانيين. إذ لا بد من إيجاد آلية مناسبة لذلك كل حسب بيئته والعمل على نشر ثقافة الفحص الطوعي لكل فرد حتى يتمكن المجتمع من كسر حاجز الخوف أملاً في مجتمع خالٍ من الايدز.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.