ظهر في الأيام الماضية د. حسن الترابي وكالعادة ينتقد أموراً وأعمالاً وأشخاصاً، وقد تذكرتُ بمناسبة ما قرأته من تعليقاته آراءه الكثيرة التي بثها ويبثها بين الحين والآخر مخالفاً بها النصوص الشرعية وفي بعضها خالف إجماع علماء المسلمين سواء في التأصيل أم التفريع، فقلت هي فرصة لأذكره وهو في هذا العمر بمراجعة تصريحاته التالية ومطالبته بالرجوع فيها إلى الحق، كما أن في بياني هذا تذكير لمن يطالبونه بتغيير مواقف سياسية وينتظرون ذلك باستمرار!! أن تغيير مواقفه في هذه القضايا هو آكد وأولى وفي ذلك الخير له: 1/ التصريح الأول: قال: «في العصور المتخلفة» أُورِثنا فقهاً ليس من واقعنا الآن؛ إذ هو من الواقع الذي جابه أبا حنيفة أو مالكاً أو الشافعي... «إلى أن قال: «وبهذا أمسى الفكر الإسلامي اليوم فكراً تجريدياً، فكراً خرج عن التاريخ جملة واحدة وظل في مكان علوي لا يمس الواقع، فنحن في وادٍ، والفقه الإسلامي في وادٍ آخر». هذا تصريح مسطور في كتاب مطبوع ومضمونه: الحكم على العصور المفضلة في الإسلام بأنها عصور«متخلفة» وقد جاء في الحديث الصحيح قول النبي صلى الله عليه وسلم : «خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم..». وفي هذا التصريح الدعوة لنبذ فقه الأئمة كأبي حنيفة ومالك والشافعي!! لأن صاحب التصريح يرى أن فقههم ليس من واقعنا!! مع أن الصلاة هي الصلاة والصوم والزكاة والحج والإجارة والمواريث والشفعة... وغيرها من مسائل الفقه هي نفسها. وفي هذا التصريح إدعاء أن الفقه الإسلامي في وادٍ ونحن في وادٍ آخر! بل إدعاء أن الفقه الإسلامي خرج عن التاريخ جملة واحدة... ألخ!! 2/ التصريح الثاني: قوله في بعض كتبه أيضاً : «ولئن كان فكرنا التوحيدي القديم، وعلمنا الكلامي القديم قاصراً على أن يعالج أمراض العقيدة السياسية التي ظهرت حديثاً فقد كان فقهنا العملي القديم كذلك قاصراً عن هذه المعاني، وهذه علة تصيب كل الديانات ومرض من أمراض التدين». والتصريح مفاده: أن الفقه العقدي والعملي في الإسلام أصيبا بالعلل والأمراض التي أصابت الديانات السابقة!! وهو تصريح في كتاب مطبوع ومنشور منذ أكثر من عشرين عاماً وإلى هذه اللحظة، فماذا ننتظر ممن يتهجم وبكل جرأة على ثوابت في الإسلام؟! 3/ التصريح الثالث: قال أيضاً: «ويعاني فكرنا القديم كذلك من علل فنية لا أريد أن أخوض فيها تفصيلاً، ولكنها مما يطرأ من مجرد التقادم وتتمثل في دورات انحراف تغشى كل فكر من أفكار البشر، وهذه الدورات تدور على كل فقه، دارت على الفقه الإنجليزي، ودارت كذلك على الفقه الإسلامي فقه العقيدة وفقه الشريعة». والتصريح يدعي فيه صاحبه: أن فقه العقيدة والشريعة دارت عليهما دورات انحراف وهي تأتي في زعمه بسبب «التقادم» ويُشَبّه الفقه الإسلامي بالفقه الإنجليزي!! فحسبنا الله ونعم الوكيل. إنها تصريحات للأسف توجه بها طعنات مسمومة في أصول الإسلام، فماذا عسانا أن ننتظر من مثل صاحب هذه التصريحات؟! 4/ التصريح الرابع: يقول أيضاً: «ومن المعوقات هناك من يقول إن عندنا ما يكفينا من الكتاب والسنة، وهذا وهم شائع إذ لا بد أن ينهض علماء فقهاء فنحن بحاجة إلى فكر جديد لهذا الواقع الجديد». ليتدبر جميع الإخوة القراء هذا التصريح المسطر في كتاب من أهم كتب صاحب التصريحات، وما يفيده التصريح: أن القول إن عندنا ما يكفينا من الكتاب والسنة يعتبرمن الوهم الشائع!! وهو يستدرك بذلك على رب العالمين القائل سبحانه: «فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى»، ويستدرك على النبي الأمين عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم الذي قال: «تَرَكْتُ فِيكُمْ شيئين، لَنْ تَضِلُّوا بعدهما : كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّتي، ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض». فإذ كان صاحب هذه التصريحات قد نالت تصريحاته مصادر التشريع فلماذا يندهش البعض لتصريحاته المستمرة التي يتناول فيها رئيس الدولة أو بعض المسؤولين فيها وهي لا تأتي في الخطورة بقريب من تلك التصريحات؟! 5/ التصريح الخامس: ولم يسلم من صاحب التصريحات فقهاء الإسلام وعلماء الأمة!! حيث سطر في أحد كتبه قوله : «ولئن كان فقهنا التقليدي قد عكف على تفسير هذه المسائل أي مسائل تفسير النصوص عكوفاً شديداً فإنما ذلك؛ لأن الفقهاء ما كانوا يعالجون كثيراً قضايا الحياة العامة، وإنما كانوا يجلسون مجالس العلم المعهودة؛ ولذلك كانت الحياة العامة تدور بعيدة عنهم، ولا يأتيهم إلا المستفتون من أصحاب الشأن الخاص في الحياة، يأتونهم أفذاذاً بقضايا فردية في أغلب الأمر فالنمط الأشهر في فقه الفقهاء المجتهدين كان فقه فتاوى فرعية، وقليلاً ما كانوا يكتبون الكتب المنهجية النظرية، بل كانت المحررات تدويناً للنظر الفقهي حول قضايا أفراد طرحتها لهم ظروف الحياة من حيث هم أفراد؛ ولهذا اتجه معظم الفكر بالقضايا المتعلقة بقضايا الشعائر، والزواج والطلاق والآداب حيث تتكثف النصوص ولا تتسع لمجال الكثير من الخلافات الأصولية حول تفسير تلك النصوص». والتصريح السابق يتضمن طعن صاحب التصريحات في فقهاء الإسلام المتقدمين وفقههم وكتبهم رحمهم الله وجزاهم عنا خير الجزاء ، ولم يسلم منه الفقهاء المعاصرون فقد تناولهم أيضاً في أحد كتبه بالتصريح التالي: 6/ التصريح السادس: قال: «فلا يكاد الفقيه التقليدي اليوم يتصور ما هو الإسلام، ولا يكاد ينظر إلى الإسلام من مقاصده ومعانيه ومبادئه العامة، من حيث هو إيمان حي يتحرك، وإنما هو يعلم تفاصيله المنثورة». بهذه الجرأة والافتراء يعيب ويطعن ويغمز صاحب التصريحات فقهاء الإسلام ويسطر ذلك في كتب تطبع وتوزع!! 7/ التصريح السابع: وهو يتضمن مجموعة من التصريحات التي ردّ بها صاحبها أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم المتواترة، وخالف بها إجماع الأمة، والتصريحات التي تناولت هذه الجوانب كثيرة لا تحصى أو تعد إلا بشق الأنفس، والله المستعان، ومن تلك التصريحات: التصريح بإنكار نزول المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام في آخر الزمان، وفي الحلقة الثالثة من حلقاتي في «قصة عيسى عليه السلام في القرآن» والتي نشرت بهذه الصحيفة تناولت هذه القضية ونقلت ممن حكى إجماع الأمة على نزوله في آخر الزمان استناداً للأحاديث المتواترة الواردة في ذلك وقد بلغت الأحاديث أكثر من سبعين حديثاً في إثبات هذا الأمر، ورغم ذلك فإن صاحب التصريحات يصر على إنكاره، علماً بأن إنكاره لا يقدم ولا يؤخر وإنما هو فقيقعات صابون لا تتجاوز متراً واحداً من موضع انطلاقها. 8 التصريح بعدم قتل المرتد: وتصريحه الذي أصرّ عليه في ذلك مخالف للأحاديث والتي منها حديث البخاري: «من بدل دينه فاقتلوه» وهو حديث عام في قتل كل مرتد، وتصريحه مخالف للإجماع المنعقد في ذلك قال الإمام ابن المنذر رحمه الله تعالى : «وأجمع أهل العلم على أن شهادة شاهدين يجب قبولهما على الارتداد، ويُقتل المرتد بشهادتهما إن لم يرجع إلى الإسلام». 9/ التصريح بتزويج المسلمة المؤمنة للكافر، فقد ردّد ذلك كثيراً بل ادعى: «أن منع زواج المرأة المسلمة من غير المسلم ليس من الشرع في شيء، والإسلام لم يحرمه، ولا توجد آية أو حديث تحرم زواج المسلمة من الكتابي مطلقاً». قلت: قال العلامة القرطبي المالكي في تفسيره، في تفسير قوله تعالى: «ولا تُنكِحوا المشركين» «أي: ولا تزوجوا المسلمة من المشرك، وأجمعت الأمة على أن المشرك لا يطأ المؤمنة بوجه لما في ذلك من الغضاضة على الإسلام». فتصريحاته الكثير منها خالف بها الأمة بأجمعها.. 10/ التصريح بإمامة المرأة للرجال في الصلاة: وهذه من عجائب الزمان، ولم نتوقع أن يكون تصريح آمنة ودود التي أمت رجالاً في الكنيسة بأمريكا له من يؤيده وينصره! فكانت تصريحاته تصب في نفس القالب!! هذه عشرة تصريحات مناقضات لما دلت عليه النصوص المحكمات مما ورد في الآيات البينات وأحاديث خير الرسل المؤيد بالآيات.. وهي نماذج وأمثلة تحتاج هي وغيرها إلى مراجعة وعودة إلى الحق.. والله الهادي سواء السبيل.