احتفل المركز الاقليمي للزمالة البريطانية في الجراحة بسوبا التابع للكلية الملكية بأدنبرة في الثاني والعشرين من نوفمبر الماضي، بتوزيع الدرجات العلمية على خريجيه من الأطباء البالغ عددهم «42» خريجاً بحضور عدد من الأطباء المسؤولين بالكلية الملكية، وبذلك يكون هؤلاء الأطباء الجراحون قد تحصلوا على زمالة الكلية الملكية من داخل السودان، وهذا الحدث كما أكد الكثيرون هو مهم ومفخرة ليس للأوساط الطبية فحسب وانما لكل السودان، فغير أن المركز الذي انشيء بمستشفى سوبا التابع لجامعة الخرطوم قد قصر المسافة وجاء بالكلية الملكية ليمتحن من يريدون التخصص في مجال الجراحة بها من داخل السودان، فإن هذا المركز بعد اعترافه بالسودان والأطباء السودانيين والاحتفال فيه يعتبر هو المرة الأولى التي تحتفل فيها الكلية الملكية بخريجيها خارج بريطانيا، وفي افادات بعض الأساتذة الاختصاصيين العاملين بالمركز، أن الكلية الملكية التي يبلغ عمرها خمسمائة وثمانية أعوام «508 عام» لم يحدث لها أن قامت بانشاء أي مركز تابع لها خارج بريطانيا الا هذا المركز في السودان، وهذا يعطي ثقة القائمين على أمر هذه الكلية في الاطباء السودانيين، ومعظم الرواد وحتى تلاهم من أطباء العقود الماضية تلقوا دراساتهم وتخصصاتهم بهذه الكلية، كذلك ما يلفت هذه الافادات انطباعات مجموعة البريطانيين الذين حضروا التخرج ودهشتهم مما وجدوه من تهيئة للمركز وامكانياته واطبائه، فكل الافادات كانت طيبة ومفخرة وتؤكد مكانة الطبيب السوداني ليس لدي اطباء الكلية الملكية فحسب وانما على كل مستوى العالم، فالطبيب السوداني مرغوب للعمل في أشهر المستشفيات، ودونكم دول الخليج والسعودية التي تفتح أبوابها لاستقبال آلاف الاطباء السودانيين، كما أن الطبيب السوداني متفوق في أبحاثه ومشارك في المحافل الدولية، وهنالك من ورد اسمه في القوائم العالمية لأفضل الأطباء في التخصص المعني، وفي خضم كل ذلك يتبادر سؤال هل يمكن المحافظة على هذه السمعة الطيبة في ظل الطفرة والتوسع الكبير في الجامعات والكليات خاصة كليات الطب والهندسة والصيدلة التي كانت في الماضي أمل الأسر وحلم الطلاب، لكنها كانت عصية بعيدة المنال الا من رحم ربي من الأذكياء، لكن في الوقت الحاضر تغير الحال وتحققت الآمال واصبح في كل أسرة وكل عائلة اكثر من طبيب او طالب طب بفضل الطفرة التعليمية، وبالتالي زيادة عدد كليات الطب في العاصمة والولايات، ولكن هل كل هذه الكليات مهيأة وتمتلك عن الامكانات والوسائل والأساتذة بحيث تخرج لنا أطباء يضاهون أولئك الرواد وغيرهم ممن هم محل ثقة وتقدير واشادة؟ فلنتفاءل انها اذا لم تكن تمتلك هذا لما سمح لها بالقيام، لكن المظهر العام لطلاب هذا الزمان أن حالهم لم يكن كما كان عليه الحال في الماضي، فطلاب الماضي لا أحد يراهم فهم من الداخليات الى القاعات والمكتبات والعكس، اما طلاب الآن اما أن يكون سكنهم مع ذويهم او بداخليات على هيئة بيوت وشقق في أحياء متفرغة، ولذا فهم يتزاحمون مع العامة للظفر بمقعد داخل الحافلة او موضع قدم على سلمها، وتكون الرحلة للجامعة في الغالب مرهقة ليس بمركبة واحدة وانما ثلاث على الأقل، وكل ذلك حتى يصل الطالب قاعة الدراسة قبل وصول الاستاذ، والا يطرد ويحرم من المحاضرة، والاستاذ نفسه في كثير من الجامعات ليس متفرغاً، وهذا النظام معمول به ولا حل غيره في ظل كثرة الكليات مع قلة الاساتذة وهجرتهم، ولكن له آثار تنعكس سلباً على الطالب، فكيف يعقل أن تكون الدراسة بدون وضع جدول، أو أن يكون الجدول غير منتظم، أو أن يفاجأ الطالب بأن هنالك امتحان سوف يعقد أو أن الامتحان تم القاؤه، كما أن العلاقة بين الاستاذ والطالب تكون ضعيفة وربما تنعدم، وحتى اذا كان كل ذلك وارداً في نظام الدراسة المتبع وأن الأمر فيه متدارك عندما يوكل لما يعرف بالمنسق، فإن هذا لا يتفق وحال الطالب غير المستقر في داخلية، ولا أظن ان المنسق الذي هو طالب يكون حريصاً على احاطه الطلاب بكل شيء كحرص الاستاذ، وفي كثير من الأحيان وكما يؤكد بعض الطلاب تكون علاقة هذا المنسق بزملائه وفقاً لمزاجه، مما يؤثر على نفسية الطالب وعلى مسيرته الأكاديمية، وكل هذه الإشكالات ربما تكون غائبة على الاستاذ الجامعي، ولكنها موجودة بكثرة ويعاني منها الكثيرون، فلا بد من الانتباه لها وايجاد الحلول لها، ولا بد من دعم كليات الطب والصيدلة رسمياً وشعبياً ويوفر ما يمكن توفيره، لأنها ترتبط بحياة الإنسان، وحتى يُعاد الطب لسيرته الأولى، وحتى نحافظ على هذه الثقة والسمعة الطيبة للطب السوداني.