ربما قبل عشر سنوات من الآن ربما من الصعب للمراقب للتيارات الإسلامية في السودان أن يخطر بباله أن جماعة أنصار السنة المحمدية من الممكن أن تنقسم إلى تيارين يتزعمهما شيخان كبيران يمثلان الأساس لقيام الجماعة وقيادتها التاريخية والكارزمية، وهما المرحوم الشيخ محمد هاشم الهدية رحمه الله والشيخ أبوزيد محمد حمزة فكلا الشيخين كان من المنافحين للدعوة ووحدة الجماعة وأكثرهما بعداً عن الظلال السياسية المباشرة ومعتركاتها الميكافيلية، بيد أن العام 2000 شهد بداية الأزمة في صفوف الجماعة بسبب ما اعتبرته جماعة الشيخ أبوزيد من ضيق مواعين الشورى وانعدام المؤسسية وانفراد نفر قليل بإدارة الجماعة وبعد تفاقم الأزمة انعقدت العديد من لجان الصلح حتى بلغ عددها ثماني لجان بدأت منذ العام 2000 لكن التداعيات استمرت حتى أدت في النهاية إلى إقصاء الشيخ أبوزيد نائب رئيس الجماعة من منصبه في فبراير عام 2004 ثم إقصائه من الجماعة ومنعه من الحديث باسمها في العام 2005 فاجتمع الموالون لجماعة أبوزيد في العشرين من يوليو 2007 حيث تكونت جماعة موازية باسم جماعة الإصلاح بقيادة الشيخ أبوزيد محمد حمزة لكن مساعي الصلح لم تتوقف، فبعد هذه الخطوة انعقدت ست لجان صلح لم تكلل بالنجاح في حين أصبح توحد الجماعة من جديد أمرًا صعباً وشائكاً لارتباطه بتداعيات الخلاف في الفريق وما تركه من آثار داخل الجماعة وما أفرزه الانشقاق من خطوات ومواقف لها علاقة بالواقع الظرفي الراهن، وهو خلاف يتفق الفريقان أنه ليس فكرياً ولكنه يتعلق حول مفاهيم إدارة الجماعة ومواقفها حول بعض المرتكزات والثوابت التي اتفقت عليها الجماعة منذ إنشائها في الأربعينيات من القرن الماضي، كذلك فقد كانت مشاركة الجماعة في الحكومة مثار خلاف في داخلها، ففي حين يرى الرافضون للمشاركة أن ذلك من شأنه أن يجر الجماعة إلى معتركات السياسة بكل ما تحمله من أدران وصراعات وأن الجماعة هي معنية بالدعوة والإصلاح وبناء المجتمع المسلم على أسس من العقيدة الصحيحة وأن الدخول سيكون خصمًا على هذه المبادئ التي تواضعت عليها الجماعة منذ إنشائها، بينما يرى أنصار المشاركة أنها تتيح للجماعة حرية أكثر في الحراك الدعوي ميدانياً أو على صعيد الأجهزة الإعلامية المختلفة ويستشهدون برموز الدعوة الذين نالوا فرصاً من التواصل الدعوي مع الجماهير من خلال الإذاعة والتلفاز على رأسهم الداعية الراحل محمد سيد رحمه الله ومحمد مصطفى عبد القادر وشيخ إسماعيل وآخرون، لكن بعض المعارضين بالرغم من أنهم يثمنون هذه الخطوة لكنهم لا يرون أن تحققها ينبغي أن يرتبط بالمشاركة في الحكم ولكن بإحداث تفاهمات ودية مع النظام سيما وأن الجماعة باتت تملك أوراقاً مهمة بعد أن تضاعف مؤيدوها في كل قطاعات المجتمع ربما تشمل الحراك في الجامعات ودور الجماعة في الانتخابات، ويرون أن المشاركة في الحكومة لم تحقِّق مكاسب حقيقية للجماعة على الأرض كما أن المشاركة كانت خجولة على كل الأصعدة وهو اتهام شكل ضغطًا على الجماعة حتى من داخل أعضائها مما دفعها في عام 2008 أن تهدد بالانسحاب من الحكومة إذا لم يتم تفعيل مشاركتها في السلطة بما يحقِّق للجماعة مصالحها ويحل قضاياها العالقة مع السلطة، وقالت إن مشاركتها في الحكومة سواء على المستوى المركزي أو على مستوى الولايات ليست بالحجم المؤثر المطلوب، ولهذا فإنها تفكر في الانسحاب من الحكومة إذا لم تتم الاستجابة لمطالبها، بيد أن ذلك لم يشكل تحسينًا في حجم مشاركة الجماعة في السلطة حتى الآن، ويبدو أن التصريح كان بغرض التنفيس من الضغوط الداخلية أكثر من كونه موقفًا حاسماً، لكن السؤال الملح: هل يمكن أن تتوحد الجماعة بشقيها المعارض للمشاركة والمؤيد لها ثم تنظر بهدوء في تقييم التجربة واتخاذ موقف متجرد يتواءم حقاً مع مصالح الدعوة لا الأشخاص، ذلك لأن توحد الجماعة يعطيها القوة والتماسك وحرية اتخاذ القرار المناسب، عليه لا بد للقواعد أن تفرض هذه الرؤية على قادتها وحينها فلا أحد يستطيع أن يفرض إرادته على الجماعة ما دامت تمسكت بمبادئها الخالصة لوجه الله تعالى.