أواصل في هذه الحلقة التعليق على ما ورد في المقال المنشور بهذه الصحيفة يوم الأربعاء 10 ديسمبر 2014م بعنوان : «أيوب صديق بين عداوة الشيخ البرعي ومناصرة المتطرفين» لكاتبه د. صلاح الدين الخنجر، وقد ضمّن المقال ذكر شخصي في عدة مواضع، وأؤكّد ما قلتُه في الحلقة الماضية أني لم أرد أن أعلّق على ما ورد في المقال لأن منهجيتي التي سرتُ وأسير عليها أني حريص على البعد عن الرد الذي يتناول جزئيات ليست هي من القضايا الأساسية والتي ينبغي أن تكون هي محور المناقشة، ومما ورد في المقال قول كاتبه: «وفي المقابل «الإنتباهة» تحارب السمانية والتجانية والختمية والبرهانية وغير ذلك من الأسماء صراحة من خلال عمود الما عارف الركابي المسمى بالحق الواضح، فلماذا تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون». قلتُ: ننتظر من د. الخنجر أو من غيره أن يفنّد ما نشر وينشر في مقالات نقد الطرق الصوفية، هذا هو الميدان وهذا هو المحك!! لقد تناولتُ معتقدات وأوراداً نقدتها في ضوء الكتاب والسنة وأتيتُ بها موثّقة من مصادرها، فإن قد كنتُ أخطأت في نقل أو توثيق فليأتِ من يوقفني على خطئي في ذلك، وإن كنت خالفت الصواب في نقدي أو استدلالاتي فمرحباً ثم مرحباً ثم مرحباً لمن ينبري لذلك، أقول ذلك لعلّ كلامي هذا يثمر فائدة ويترك الخنجر هذه الأساليب التي هي «تغريد خارج السِّرب» أو قل: «صراع خارج الحلبة»، وليحسِن انتقاء العبارات فماذا يقصد بحرب؟! وفي المقابل أين إنصافه لما ينشر في هذه الصحيفة من الردود على مقالاتي ومقالات غيري؟! وقد وصل الحال ببعض تلك الردود أن تجد حظها في النّشر رغم أنها تضمنت نشر الخرافة، كقول ذلك الكاتب أن الشيخ فلان أخرج رجله من قبره!! وعلى ذلك فقِس!! إن الساحة مفتوحة في هذه الصحيفة، فلا ينبغي أن يطيل من يريد أن يدافع عن الطرق الصوفية الطريق ويبعِد المسافة، وفي لغة بعضهم: «لا يكبّر اللفة» فليتفضل وهلمّ فهناك خمسة مقالات نشرتُها بعنوان «ليست قصيدة واحدة للبرعي بل قصائد كثيرة».. أعني في مخالفتها لمحكم القرآن الكريم، وهناك خمسة مقالات في الشهر الماضي في نقد الطريقة البرهانية، وفي العام الماضي في مثل هذا الوقت نشرت خمسة عشر مقالاً في مناقشة الكاتب أبو عبيدة عمر في قضايا متفرّقة في العقائد الصوفية وغيرها كثير وكثير، فلينقد الخنجر أو غيره ما تضمنته هذه المقالات إن كان لديه نقد علمي، وليدع أسلوبه «الممجوج» الذي يتشكّل بين العويل أو التهديد أو الاستجداء أو التهويل أو التجهيل بلا بينة ولا برهان. ومما تضمنه المقال قوله: «بل وتسمحون بسب الأكابر صراحة أمثال سيدي الشيخ» وقال: «إن سب الأكابر وعداوتهم والانتقاص من قدرهم واحد من أسباب البلاء والحرب الإلهية. قال تعالى في الحديث القدسي «من عادى لي ولياً فقد آذنته بالمحاربة». قلتُ : نقد الأبيات أو العقائد التي نشرت في الآفاق بعد طباعتها وتسجيلها في وسائل الإعلام لا يسمى سباً أو شتماً، فإن ما انتقدته أنا أو انتقده الأستاذ المذيع أيوب صديق في مقالاته أو ما انتقده غيرنا لم يتجه في نقد البرعي في شخصه وذاته أو في أموره الخاصة، ولا يوجد عداء شخصي كما هو معلوم غير مجهول، وإنما هي قصائد تضمنت الدعوة إلى أفعال وأقوال وعقائد كان من الواجب المتحتّم ومن أداء الأمانة وعدم خيانتها نقدها، وهو من النصيحة للمسلمين عموماً ومن النصح للبرعي ولأتباعه وللصوفية بأن نقول لهم مثلاً إن اعتقاد أن أربعة أوتاد يقومون على المنازل الأربعة للعالم وبهم يحفظ أن هذا اعتقاد خاطئ، ولما نقول لهم إن قول البرعي عن الشيخ أحمد البشير أنه يحضر مريدو في النزع والقبير.. للحجة يلقنو بأحسن التعبير .. وليه يؤانس في الوحدة والشبير .. نقول إن هذا اعتقاد باطل ولا يجوز تصديق البرعي فيه، ونأتيهم بالأدلة من القرآن الكريم والسنة النبوية ومن حياة النبي صلى الله عليه وسلم ومن صحابته .. هكذا كما هو بياننا المعروف المنشور، فأين السب حينئذٍ ؟! وإنه في الحقيقة «اضطرار» للبيان حيث تم نشر هذه القصائد، ولحّن بعضها، وحفظ واعتقد بعض الناس هذه العقائد الفاسدة الشركية، فهل نسكت في مقابل ذلك؟! وهل يجوز السكوت؟! ويا ترى عن أي حق نحن ندافع ؟! والجواب: إنه حق الله تعالى الخالق المعبود بحق وحده، فلماذا تريدون أن يسكت الناصحون في الدفاع عن أعظم قضية وهي إفراد الله بالعبودية؟! فليوقف نشر وطباعة وبث تلك الأبيات الشركية أولاً، حينها يأتي من يتضايق من هذا النقد العلمي ويرى كيف سيكون الحال!! وأما «الولي» فبفضل الله تعالى فإننا لا ننكر الأولياء ولا ننكر كرامات الأولياء، والولي هو المؤمن التقي كما جاء تعريفه في سورة يونس في القرآن الكريم، والتقوى تحقيقها بفعل الأوامر وأعظمها توحيد الله تعالى وعبادته وحده، وترك النواهي وأقبحها الشرك بالله تعالى، والولي في الحديث القدسي المذكور كما في رواية البخاري هو من تقرّب إلى الله بالفرائض وأعظمها توحيد الله تعالى، وأكثر من النوافل التي شرعت في سنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم.. وسيأتي في مقال قريب إن شاء الله التفصيل والمقارنة ببيان «الولي والكرامة» مقارنة بين أهل التوحيد وأتباع التصوّف.. والولاية ليست بالوراثة النسبية كما هو الحال عند الطرقية!! وجاء في ختام المقال المذكور قول كاتبه مخاطباً الأخ الأستاذ أيوب: «وطالما أنك مذيع للأخبار أعطيك هذا الخبر العاجل: «رئاسة الجمهورية ترعى جائزة الشيخ البرعي للأدب ومدح المصطفى صلى الله عليه وسلم»، فعلى المستوى الرسمي والشعبي برعي السودان تاج فوق الرؤوس موتوا بغيظكم إن الله عليم بذات الصدور». قلتُ: وما دخل هذا الخبر بما يدور في صفحات الصحف من عرض ونقد للأقوال والعقائد؟! هل هذا الخبر سيغيّر شيئاً في أبيات نشرت في الآفاق وقد انتقدت بأدلة وبراهين؟! وهل هذا الخبر أو أخبار أخرى شبيهة ستجعل قول البرعي: ليهو سلم يا ولد ده القلب البت ولد.. وقوله عن والده: يرى بالغيب ما يخفى علينا ويسمع صيحة القاصي المكلم .. وقوله: منهم خفي الحال منهم مجاهر منهم عليم بالغيب ظاهر وباطن.. وقوله: إذا شئتم شاء الإله وإنكم تشاءون ما قد شاء لله دركم.. وقوله: ما مسني سوء وجئت رحابهم إلا وعني ذاهب متلاشي .. وقوله: لذ بالرجال العارفين بربهم كالجيلي والبدوي والدقلاشي .. والمقتفين على هدى من ربهم آثارهم كالتوم والكباشي.. وقوله: توصل ضريحو عنه لا تبرح تذكرنا عندو وأحوالنا تشرح.. بالفوز تأتينا وهمومنا تطرح.. وقوله عن واجب المريد بحضرة الشيخ: كن ثابت عندهو لا تضحك عندهو في كربك أندهو بتغيثك جندهو ... وغير ذلك.. فهل هذا الخبر يجعل هذه الأخبار مقبولة أو يبيح السكوت عنها؟!! والله إنك لمسكين جداً أيها الخنجر، فهل تظن أنك بهذا الأسلوب «المخجل» تصل إلى إسكات صوت الحق الذي يناقش ويحاور نقاشاً علمياً بأدب وسعة صدر وموضوعية يشهد بها كثيرٌ من ولاة الأمر قبل غيرهم؟! وهل تستطيع تحمّل اللوازم التي تلزمك بأسلوبك في إيراد مثل هذا الخبر؟! أقول: إننا نسمع ونطيع لولاة أمرنا في هذه البلاد ونحذر من الخروج عليهم ومن شق العصا، وطيلة السنوات الماضية ما أكتبه في هذه الصحيفة في العلاقة بين الحاكم والمحكوم على ضوء المنهج السلفي الواضح القائم على النصوص الشرعية في الموقف من الحاكم بعيداً عن المكاسب الشخصية أو المكايدات السياسية أو المصالح المادية أو التجمعات الحزبية أو النزوات العاطفية، ونحمد الله الذي عافانا من هذه البلايا والرزايا والمحن والفتن .. ومما ننشره في ذلك أن النصيحة للحاكم تكون سرّاً في ما بين الناصح وبينه، كما جاء في التوجيه النبوي الكريم في الحديث المروي في كتاب السنة لابن أبي عاصم: «من كان عنده نصيحة لذي سلطان فلا يبديها علانية وليأخذ بيده...» الحديث.. والمقرر المعلوم أن الحاكم لو أمر فضلاً عن أن يخبر فقط لو أمر أمراً جازماً بالمعصية أو الباطل فلا طاعة لمخلوق في معصية الله الخالق، وأبشّر الدكتور الخنجر ومن معه أن ضلالات البرعي وغيره التي بثّت في زمان مضى قد تبيّن لكثير من الناس مخالفاتها للحق، وأعود فأقول: ما علاقة هذا الخبر الذي أورده الخنجر في ختام مقاله ما علاقته بالسجال العلمي والمقالات الصحفية؟! ننتظر ونتمنى أن يأتي من يتولى الدفاع بعلم عن محاكمتنا العلمية لأبيات الدسوقي والبرهاني والبرعي والختمية وغيرهم، أما د. الخنجر فأتوقع أن من يمثّلهم أنفسهم قد علموا بضاعته في هذا الشأن ما هي!!