كثير من أسرار باطن الأرض في السودان مازالت في رحم التكنلوجيا الغربية التي تمتلك القدرة الكافية على فك طلاسم كل الحاضر ونصف المستقبل اعتماداً على تقنيات فنية ووسائل بحث ورصد وتحليل هائلة التطور جعلت الكون بكل تعقيداته المذهلة مجرد كتاب يتصفحه إنسان العالم الأول الذي يخطط بدراية ثم يصوب نحو الهدف بعناية موفورة الدقة... في إطار هذه البديهية كان (الخواجات) الذين اكتشفوا مجاهل أفريقيا قد احتفظوا لنفسهم بكل تفاصيل الواقع الافريقي جوًا، وبرًا، وبحرًا، وبعدها غادروا إلى حيث أتوا غانمين بأسرار الاقتصاد والسياسة والاجتماع والجغرافيا وتدور على ذمة التأريخ تفاصيل كثيرة حول هذه الخبايا.. وعلى خلفية هذه الحقائق ظل منجم حفرة النحاس بولاية جنوب دارفور محلية الردوم (وحدة سنقو الادارية) المكتشف بواسطة الطليان، لغز حير الناس في المنطقة حتى تدخلت مغامرات الرئيس الراحل جعفر نميري في السبعينيات من القرن الماضي لتزيح الستار عن سر الماسورة المطمورة في باطن الأرض، وحينها أدرك المواطنون بمنطقة برام الكبري أنهم يقيمون فوق كنز للنحاس، فأطلقوا اسم حفرة النحاس على تلك الرقعة التي حملت الاسم من يومها وحتى اللحظة. ورغم أن نشاط التعدين لأغراض التجربة قد تمت مباشرة بهمة ملحوظة بواسطة شركات أجنبية خلال حقبة مايو في عمرها الأخضر، إلا أن زيارة خاطفة للرئيس الراحل (1974) قد وضعت حدا لكل شيء، وربما فهم الرئيس أبوعاج أن هناك عمليات تهريب منظم للمعدن إلى الخارج، فتوقف نبض التعدين لأربعة عقود حولت الحفرة إلى مجرد ذكريات تداول الناس خلالها مساجلات برلمانية محشوة بالطرف والملح (بضم الطاء والميم) دارت بين نائب الدائرة وقتها الراحل/ تاج الدين الحلو الذي عاتب الأستاذة/ آمال عباس التي استكثرت احتدام النقاش حول تبعية حفرة النحاس فنبهها الحلو بأن الحفرة للنحاس وليست للدخان فضجت القاعة بالضحك وقفل ملف التداول حولها حتى الآن. ولكن مؤخراً رصد السكان في المنطقة حركة غير طبيعية لعمليات تعدين واستخلاص تتم في سرية تامة بحفرة النحاس التي تتبع لمحلية الردوم، ولأهمية اقتصاديات التعدين في إنعاش واقع المنطقة والمحلية والولاية ينتظر أن يتم إشراك السلطات الولائية ممثلة في الوالي ومعتمد الردوم مع توظيف ادارة الهبانية في تحريك المجتمعات المحلية لتهيئة البيئة الاجتماعية وجعلها أكثر تفهماً وقبولاً وتفاعلاً للمشروع وأثاره.. ومن واقع التجربة فإن قيام مثل هذه المشروعات التعدينية ينتظر أن تنعكس أثارها الاقتصادية في توظيف العمالة المحلية للحد من ملء فراغها باللجوء إلى التمرد كخيار مر، وفي نفس الاتجاه تعيش المنطقة حالة من الإحساس بالرضا بأن تضيف إلى رصيدها تعبيد مئات الكيلومترات لربط مدن المحلية الردوم وبرام مع نيالا والضعين، وستنتعش حياة الناس بفضل مقولة في كل حركة بركة.. وحزمة من الأمنيات سوف تتنزل إلى أرض الواقع مع اندياح موجات التغيير بفضل تدوير عائدات راس المال المستثمر خاصة أن المنطقة تمثل حزاماً واقياً لكونها منطقة تداخل مع دولة جنوب السودان... ولأن حقيقة التعدين في منطقة حفرة النحاس ما زالت همساً يتداوله الناس بحشو كمية من بهارات الخيال فكان لا بد من مناشدة وزارة المعادن باعتبارها الجهة المعنية بالتعدين كنشاط اقتصادي استثماري في رقعة جغرافية بولاية جنوب دارفور، محلية الردوم (وحدة سنقو)، نظارة الهبانية، فمن الواجب إحاطة هذه الجهات علماً بكل تفاصيل المشهد بغية تهيئة المناخ وتنقية الجو من سموم الإشاعة التي ربما تدفع الناس إلى مغامرات قد تضر كلية بالمشروع والحكمة تقول: (أن الخط المستقيم هو أقصر مسافة بين نقطتين)، ولأن المسألة كلها استثمار فلماذا لا نستثمر في هذه الحكمة ونتفادى الطرق الملتوية للربط بين أربعة عناصر تتمثل في الجهة التي تنقب (...)، والولاية (الغائبة)، والمحلية (المقهورة)، والمجتمع المحلي ممثلاً في الإدارة الأهلية (المغيبة)!!.