اهتمت الصحف وأبرزت حديث برنستون ليمان المبعوث الرئاسي الأمريكي للسودان، لصحيفة الشرق الأوسط اللندنية، وتأكيده بأن «انتقال حالة الربيع العربي الراهنة للسودان ليست من أجندة بلاده وأن إسقاط النظام في الخرطوم ليس من المصلحة، بل نريد إجراءات دستورية ديمقراطية ونريد الحرية والديمقراطية للسودان، فليس من مصلحتنا إسقاط النظام وزيادة المشاكل، تكفينا المشاكل الحالية، ومصلحتنا تطوير النظام ديمقراطياً، نريد الاستقرار في السودان وجنوب السودان وحكومة الولاياتالمتحدة تعارض العمل العسكري ضد حكومة السودان وتراه إثارة للحروب ويهدد كيان ووحدة السودان»!! لو لم يذكر اسم ليمان لظن كل من قرأ تصريحاته أنها لمخلوق من كوكب آخر.. لا صلة له بالولاياتالمتحدةالأمريكية وكر الشر في العالم، ولظن ظان آخر أنها لشخص متعاطف مع المؤتمر الوطني وكادر سري أمريكي من كوادره ..!!لكنها مع كل ذلك لمبعوث الرئيس الأمريكي لرجل يهودي متعصب ودبلوماسي يعرف كيف تساق الشاه للمذبح. نحن لن نصدق ادعاءات الرجل، وإن بدت بعضها متسقة مع مواقف سابقة ومعلنة، لكن في الأساس الولاياتالمتحدة هي سبب البلاوى والمصائب كلها التي حاقت ببلادنا، وهي التي تقود المؤامرات والدسائس من أجل إسقاط النظام في الخرطوم وتتولى قيادة الضغوط عليه والحرب الدبلوماسية ودعم الحروب المشتعلة فيه، من حرب الجنوب التي استمرت عشرين سنة إلى حرب دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق. نحن لن ننسى أن واشنطون كانت ولن تزل هي التي تحرِّك ضدنا كل تآمر، وتؤلب ما يسمى بالمجتمع الدولي علينا وتقود المقاطعة العالمية ضد مصالحنا وأوقفت حتى القروض والمنح، طبقت أقسى عقوبات اقتصادية تفرض على دولة في العالم في مواجهتنا وهددت مصالحنا، وضيّقت علينا وحاربتنا في كل المحافل الدولية، وسبق أن حرضت دول الجوار في عهد كلنتون لمحاربتنا في عملية شد الأطراف المعروفة في التسعينيات، ولا نزال في قائمتها ولائحتها السوداء للدول الراعية للإرهاب. كيف يمكن أن نصدِّق حديث المجاملات لمبعوث أوباما؟، ونحن نعرف حجم ونوع المؤامرة التي تقودها واشنطون لإسقاط النظام في الخرطوم، بدعمها لكل الحركات والمجموعات التي تحمل السلاح في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، وتستميل كل يوم أي عناصر تدعي أنها معارضة للخرطوم تسارع بضمها لربائبها وعملائها لتحقيق هدف واحد هو إسقاط السلطة القائمة في الخرطوم. الشيء الصحيح الذي لم يتجاسر في قوله مبعوث أوباما ولن يستطيع، هو أن الثورات العربية والربيع العربي ليس من صنع أمريكا إنما هو ضدها وضد الأنظمة العميلة التابعة لها التي سقط وسط دهشة وإحباطات الإدارة الأمريكية وإسرائيل، ولحقت واشنطون أو حاولت أن تلحق بقطار الثورات العربية بالادعاء الفارغ بمساندتها ودعمها وهي متلاحقة الأنفاس ودون جدوى... فمحاولة ليمان إظهار أن الثورات العربية وربيعها الظافر كأنها رياح تحركها الأصابع الأمريكية أمر مثير للغثيان، وهذا ديدن القوى المتجبِّرة التي تحاول إيهام الآخرين بأنها وراء كل شيء في هذه البسيطة. والذي لا يستطيع أن يقوله مبعوث أوباما، إن الحالة السودانية تختلف عن البلدان التي ثارت ضد الأنظمة التي كانت بمثابة كلاب صيد أمريكية في المنطقة وديكتاتوريات فقدت مقومات بقائها، فالسودان بلد يختلف في تفاعلاته السياسية والاجتماعية عن تلك البلدان وصورة الحاكم فيه بحكم التكوين المتميز للشخصية السودانية يختلف عن الحاكم المطلق المتألِه في الوطن العربي وبقية مناطق العالم، وواجه السودان ظروفاً أصعب وأكثر تهديداً من حالة الربيع العربي ولم يسقط نظامه، فالعمل العسكري المسلح في أطرافه كلها، مع حريات كاملة لأحزاب المعارضة في قلب الخرطوم، ولم تستطع كل هذه الجهات كسر عظم السلطة القائمة، فكيف والأحوال تتجه نحو واقع أفضل في ظل الهدوء في دارفور وانتهاء الحرب في النيل الأزرق وربما بعد حين في جنوب كردفان؟ المهم في كل هذا، أن حديث برنستون ليمان، حديث خادع، وما قاله إلا لأن أمريكا تُدبِّر شيئاً في الخفاء، فهي تُظهر خلاف ما تُبطن.... وتُخفي مخالبها وأنيابها حتى تنهش بلادنا في لحمها، فلنأخذ الحذر والحيطة.