أجّلتُ المقال الذي أعددتُه حول الحرب على الفساد حتى أُعيد نشر هذا المقال الذي لا أبالي بمنطق من ينشغلون بمحقّرات الأمور وسفاسفها ويستنكرون إعادة نشر مقال من صحيفة أخرى بحجة أن ذلك يمثل دعاية لها فنحن نقدِّم المبادئ والقضايا الكبرى على الاعتبارات التجارية الرخيصة وما أُعيد نشرَه اليوم وددتُ لو نُشر في كل الصحف السودانية حتى نشكِّل جبهة ردع قوية تكبح جماح هذا الغول الذي استشرى وتمدَّد وأوشك أن يعم كل مرافق وشعاب الحياة في السودان. إن ما دعاني لإعادة نشر مقال الأخ ضياء الدين بلال رئيس تحرير صحيفة «السوداني» أن الأمر متعلق بمستشار في وزارة العدل المنوط بها مكافحة الجريمة وهل من جريمة أكبر من الفساد وهل من جهة منوط بها محاربة المفسدين أكبر من وزارة العدل؟!. إن ما أزعجني بحق أن الرجل الذي تثور حوله هذه الشبهات ظل يتقلَّب بين المواقع والمناصب وكلَّما نُقل من موقع يُعيَّن في آخر!! إن الأمر جلل ويستدعي تدخل الرئيس أو نائبه الأول، فقد بلغ السيل الزبى والروح الحلقوم، وأولى من النهضة الزراعية، أن نعلن عن نفير للحرب على الفساد، فما من نهضة أو تقدم يمكن أن يقوم في بيئة فاسدة، أما شعارات الجمهورية الثانية وغيرها من الأحلام الوردية، فالأولى أن نسكت عنها حتى ننشئ مؤسسات شفافة ونزيهة تتضافر فيها الجهود من أجل صنع مجتمع طاهر يستنكر المنكر، لا مجتمع يعتبر الفساد أمراً عادياً، بل يحترم المفسدين ويقدِّمهم ويُفسح لهم المجالس ويوطِّئ لهم الأكناف وينصِّبهم فوق الأكتاف. أين يا تُرى البرلمان «ممثل الشعب» وهل هو ذات البرلمان الذي «بصم» على نيفاشا قديماً وقال قائله إنه لا يحق له أن يُعدِّل شولة في تلك الاتفاقية التي تعتبر أخطر وثيقة قانونية في تاريخ السودان الحديث؟! سيدي النائب الأول.. أخشى ما أخشاه أن يأتي وقت في قريب عاجل يجعلنا نهتف بما هتف به ثوار الربيع العربي!! مع لجنة وزارة العدل سعادة النائب الأول.. عين التاريخ لا تنام!! نعم أرسل لنا المستشار محمد فريد رئيس لجنة التحقيق التي شكَّلها وكيل وزارة العدل عصام عبد القادر قراراً بمنع الكتابة أو التعليق حول قضية المستشار مدحت.. ومحمد فريد هذا كان معروفًَا ومشهورًا في سنوات الإنقاذ الأولى في نيابة الجرائم الموجَّهة ضد الدولة واختفى عن الأضواء لأكثر من ست سنوات لأسباب لا داعي لذكرها! ولجنة محمد فريد مكوَّنة من شخصه ومن مستشارين حديثي التجربة، والثلاثة أقل درجة بكثييييير من المستشار مدحت عبدالقادر وهذا يخالف منطوق القانون والعرف والوجدان السليم، فلائحة إجراءات محاسبة المستشارين القانونيين لسنة 2004 تنص على: «يكلِّف الوزير أو الوكيل حسبما يكون الحال مستشار قانوني أو أكثر بالتحقيق مع المستشار القانوني المراد التحقيق معه على ألا تقل درجته وأقدميته من درجة وأقدمية المستشار القانوني المراد التحقيق معه». النص واضح ولا لبس فيه وبذا يصبح السؤال واضحاً جداً.. لماذا تم اختيار تلاميذ مدحت وأصدقائه ولم يتم اختيار واحد من 54 مستشارًا بالوزارة مشهود لهم بالكفاءة والخبرة والنزاهة وهم أمام مدحت من حيث الدرجة والخبرة؟!! المدهش جداً أن قرار الاستدعاء تم يوم الخميس الساعة 12 إلا عشراً واستلمه أستاذنا نور الدين مدني وتفاجأ بأن الطلب يمنحني عشر دقائق فقط للمثول أمام اللجنة، وأمر إيقاف النشر على غير العادة جاء في العاشرة والنصف مساء، بعد إغلاق مجلس الصحافة ونوم مكاتب النيابات!! وبعد مهاتفة مع فريد تم تغيير موعد الاستدعاء للواحدة ظهراً. وعند مقدمي لمباني وزارة العدل الدور الثامن إذا بي أفاجأ بمحمد فريد يجلس في مكتب واسع المساحة، خالياً من الأوراق والمستندات، واضعاً رجلاً على رجل يرتدي جزمة إيطالية بنية اللون، يتحدث بطريقته القديمة بكلمات من حواف شفتيه، سألني: «إنت في «السوداني» موش كدا»؟!!!! قلت لفريد «أليس غريباً أن تدعوني لجنة تحقيق للمثول أمامها لتقديم ما لديّ من معلومات وحين أحضر لا أجد اللجنة منعقدة وأجدك أنت فقط لتحقق معي، ولا تزالون تذكرون في مخاطباتكم «مدحت وآخرين» وأنتم تعرفون أننا لم نتطرق لمستشارين آخرين؟، لماذا يوجد إصرار وحرص مريب على ألا يُترك «مدحت» وحده؟!! والأغرب من كل ذلك أن لجنة التحقيق التي تكونت قبل قضية مدحت وتحمل اسم: «لجنة التحري حول ادعاءات التعدي على المال العام» ليست ذات اختصاص في ما أثير حول تجاوزات مدحت الممثلة في استغلال النفوذ وانتحال الشخصية حين يقدم نفسه كرجل أعمال وليس موظف دولة، سيصاب القارئ بالغثيان إذا علم أن مدحت ذهب للحج هذا العام في بعثة الهيئة القضائية وهو يحمل صفة «قاضٍ»!!.. هل تصدقون حتى أوراق التعبد لشعيرة الحج لم تخلُ من التزوير ورائحة الفساد!! هذه اللجنة غير مؤهلة للتحقيق مع المستشار مدحت، إذا كانت هناك لجنة تحقيق حقيقية وعادلة فليمثل فيها القضاء والشرطة ونقابة المحامين إضافة لوزارة العدل، أما لجنة محمد فريد فبإمكانها القيام بأي مهام أخرى، ومن هذه المهام مساعدة اللجنة المقترحة في البحث عن إجابة عن الأسئلة والنقاط الآتية: 1 - البحث عن حسابات الشركات التي يمتلكها مدحت والعطاءات التي آلت إليها؟. 2 - لماذا أُبعد من الأراضي؟، اسألوا مولانا محمد عثمان يس وزير العدل السابق!. 3 - لماذا أبعد من ديوان الضرائب؟ اسألوا مدير الضرائب السابق د. عبد القادر محمد عبد القادر!. 4 - ابحثوا عن ملف التحقيق الذي أُجري معه حول تأجير الحافلات وماذا عن مركز زمزم للتسوق!!. 5 - ابحثوا عن ممتلكات مدحت في الخرطوم والقاهرة؟!. سعادة النائب الأول: هذا أول امتحان لمشروع الجمهورية الثانية وآخر فرصة لتأكيد صدقية الدولة في الدعوة لمحاربة الفساد.. أعلم أنك رجل قانون وسياسة وأخلاق، طاهر اليد واللسان، لن تتركهم يعبثون بالعدالة، لأنك تعلم أن عيون الحق والتاريخ لا تنام. وزير العدل: أعلم أنهم سيلقون عليّ القبض اليوم لتجاوز أمر منع النشر الصادر من لجنة أصدقاء مدحت، سأكون في انتظارهم، ولكن عليك أن تعلم، أن العدالة، مثل العمليات الجراحية، لا تتم بأيادٍ ملوثة!!. المستشار مدحت: عليك الاتجاه للقضاء إذا كان كل ما قيل إشانة سمعة وليس حقائق ثابتة!!.