{ التوقيع على اتفاقية كامب ديفيد عام 1979م بين إسرائيل ومصر وسابقة الرئيس المصري حينها محمد أنور السادات وهو يدخل الكنيست الإسرائيلي رغم أنف الشعب المصري بعد أن وقَّع على الاتفاقية بملحقاتها السرية، تلك الملحقات التي طلب من مجلس الشعب المصري أن يوقِّع عليها دون أن يطَّلع عليها، أي أن يبصم وهو مُغمض العينين، كل هذا يجعل زيارة رئيس دولة جنوب السودان سلفا كير ميارديت إلى إسرائيل بلا عنصر غرابة.. وسلفا كير حتى لو كان قد زار تل أبيب في فترة السنوات الست قبل الانفصال «انفصال جنوب السودان عن شماله»، لما استغربنا زيارته؛ لأن في تلك الفترة كانت يد السلطة السودانية في الخرطوم مرفوعة بموجب اتفاقية نيفاشا من جنوب البلاد، فلم يكن للخرطوم هناك جيش وشرطة وقضاء وفرع لديوان المراجع العام، أي أن الانفصال العملي سبق إعلان الدولة الجديدة.. وكان الجنوب في تلك الفترة كالزوجة المعلقة لا هي مستقرة مع زوجها ولا هي مطلقة تنتظر زوجاً جديداً. أي أن اتفاقية نيفاشا جعلتها دولة «ناشز».. وكان يمكن وقتها أن يزور سلفا كير إسرائيل كما كان يزور يوغندا وكينيا دون إذن الخرطوم.. وكانت آخر رحلة لجون قرنق إلى يوغندا دون علم الخرطوم دعك من أخذ إذنها. لذلك تبقى زيارة سلفا كير إلى إسرائيل بعد إعلان الانفصال أفضل من الناحية النفسية من أن تكون قبل إعلانه وهو عملياً منفذ.. سلفا كير ينوي الزيارة إلى إسرائيل مع بدء إجراءات عودة السفير الإسرائيلي إلى مصر، فعلى ماذا نحزن؟!.. هل نحزن على زيارة سلفا كير «الطبيعية» إلى إسرائيل، أم على عودة سفير إسرئيل إلى مصر بعد طرده في مناخ الربيع العربي بواسطة الشعب وبعد فوز الإسلاميين المصريين في الانتخابات؟! يمكن أن يصوِّت أغلبية شعب الجنوب الذي اختار الانفصال عن السودان، يمكن أن يصوِّت لصالح تطبيع العلاقات بين دولته وإسرائيل، لكن المعلوم هو أن الشعب المصري لم يصوِّت للتطبيع مع الكيان الصهيوني ولن يصوِّت خاصة في هذا الوقت الذي جاء بعد تطورات دموية فظيعة على الساحة الفلسطينية.. وإذا كان جنوب السودان الآن دولة مستقلة بعد أن ظل ست سنوات قبل الانفصال إقليماً مستقلاً لا هو دولة ولا تابع لدولة، فإن إقامة دولة فيه قللت لصالح السودان مشكلات إقليمية على الحدود الجنوبية القديمة.. هناك ثلاث دول هي الكنغو ويوغندا وكينيا تبقى مرتعاً لإسرائيل في القارة ذات الإنسان الساذج، كل تلك الدول أصبح بينها وبين السودان دولة عريضة تعج بالمشكلات القبلية بل والمشكلات داخل القبيلة الواحدة، ولا مجال لتمدد النفوذ اليهودي المباشر على مختلف الأصعدة إلى خارج جوبا إلا من خلال عناصر جنوبية تكون حاسة بإنها معرضة للخطر من نشاطات قبلية مسلحة في مناطق مختلفة باتجاه الشمال.. لا يعني شعب السودان زيارة سلفا كير إلى إسرائيل في شيء، بقدر ما يعنيه عودة السفير الإسرائيلي إلى مصر.. نعم إن وجود إسرائيل في منطقة منابع النيل وممره إلى السودان من ناحية حصة السودان و«صحة» شعبه يبقى أخطر.. لكن لماذا نفرّق بين شعوب المنطقة العربية والعالم الإسلامي؟! هل نكون مثل النظام السوري الذي يتظاهر برفض إسالة دماء الشعب الفلسطيني وهو يقيم حمامات الدم ضد الشعب السوري حتى كاد يرق له قلوب اليهود؟! نطرح هذا التساؤل لنقارن بين الخطر الداخلي والخطر الخارجي.. وهكذا سنجد أن أية ثمار مرة أو تداعيات سلبية لزيارة سلفا كير إلى إسرائيل على الوطن العربي والعالم الإسلامي لن تكن أسوأ مما يعانيه شعب سوريا وشعب العراق وعشرين مليون سنياً في إيران. تصفية بدون محاكمة إذا كان رجل الأعمال السوداني الذي اغتاله أمس الأول جيش دولة الجنوب في إقليم بحر الغزال ينشط حين اغتياله في ميدان حرب من ميادين الحرب السياسية والقبلية هناك لكانت هذه الحادثة مفهومة، وإن كان في هذه الحالة ينبغي أن يتم أسره فقط أو بالأحرى اعتقاله؛ لأنه أعزل من السلاح.. لكن المقتول برصاص جيش دولة جنوب السودان يملك صفة رجل أعمال، أي أنه مدني ويقوم بأعمال تجارية من عوائدها خدمة المواطن وتقديم الضرائب لصالح خزينة الدولة الجديدة.. وإذا افترضنا أن هناك قرائن ساقت إليه الاتهام بتهمة التجسس لصالح بلاده، فهل هكذا يكون التعامل معه؟! هل يطلق عليه الرصاص من جهة لا تمثل القضاء؟! إن من يستحق إطلاق الرصاص عليه هو من يحمل السلاح ويشهره، لكن من يُتَّهم بأنه يقوم بأعمال تجسسية، فإن ما يستحقه في الدولة المحترمة التي تتمتع بقضاء محترم هو أن يقدّم إلى محاكمة عادلة يكفل له فيها حق الدفاع عن نفسه ثم بعد ذلك تكون الإدانة أو البراءة.. لكن رجل الأعمال السوداني محمود عبيد جودة لم يُقدَّم حتى لمحكمة ظالمة من باب احترام حقوق الإنسان.. لقد عوقب بدون محاكمة «عقاب عنصري».. وننتظر ماذا سيكون عمل منظمة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة تجاه هذه الجريمة الشنيعة وننتظر ماذا ستفعل المحكمة الجنائية الدولية من خلال مدعيها أوكامبو حيال اغتيال رجل أعمال مدني بتهمة التجسس دون أن يقدم لمحاكمة. يبدو أن الدولة الجديدة بقيادة الحركة الشعبية هي دولة ألا قضاء ولا عدالة، وينص قانون المحكمة الجنائية الدولية على أن مهمتها القانونية هي أن تقوم بالدور القضائي في حالة غياب أو انهيار النظام القضائي في الدولة المعنية. فهل يعتقد أحد إصدار مذكرة توقيف ضد رئيس دولة جنوب السودان سلفا كير بوصفه القائد الأعلى للجيش الشعبي الذي اختطف رجل الأعمال السوداني وأطلق عليه الرصاص؟!.. إن ذوي الرجل الأعمال المقتول طالبوا حكومة الجنوب بفتح تحقيق، لكن ألم يكن هذا التحقيق مع القتيل أولى من أن يكون مع مَن قتله؟! إذن مثل هذا الطلب لا تلتفت إليه حكومة جوبا؛ لأن الجيش التابع لها قام بمهمة بالضرورة أنها تباركها ما دام أن سبب سفك الدماء هو تهمة التجسس وليس الإدانة في عمل التجسس داخل محكمة محترمة تتبع لقضاء محترم. إن محكمة أوكامبو لن يسعها أن تطالب بتسليم المجرم الذي اغتال رجل الأعمال السوداني في مناخ علاقات إسرائيلية جنوب سودانية حميمية، وإذا كانت إسرائيل «معفية» من مذكرات أوكامبو رغم الفظاعات اليهودية ضد شعب فلسطين، فإن من يرتبط معها بعلاقات لا بد أن يشمله هذا الإعفاء.. وهذا بالطبع ما يحفز جيش الحركة الشعبية الذي بدأ بمرتبات الضباط والجنود في الكتيبة «105» بعد سرقتها، والذي بدأ بأموال الأسمنت المسروق من ولاية النيل الأزرق ثم بالدعم الغربي واليهودي، يحفزه لاغتيال أية شخصية إسلامية أو عربية في الجنوب، ولا حاجة إلى محاكمة المسلم، ففي الجنوب دمه حلال مثل دم مريم برنجي.. إذن الحل في العودة من الجنوب إلى حين الانتصار النهائي للثوار الجنوبيين.