حتى وإن تبقت فترة أقل من شهرين لدخول القاضي «أحمد رفعت» سن المعاش الإجباري فإنه لا شك يكون قد نال حظاً كبيراً من الشهرة والأضواء لم ينله طوال عمه في سلك القضاء، وذلك لمجرد تكليفه بالفصل في قضية مبارك وأعوانه. هذه القضية لها مدلولات كبيرة جداً قانونية وسياسية وتاريخية، فهل تستطيع، وتستعيد مصر تقاليدها المعروفة في مجال القانون والأحكام القضائية؟ والتي ديست أثناء فترة مبارك، وكيف سيتعامل الفريق القانوني للفرعون مع اتهامات بجرائم تصل السقف الاعلى لعقوباتها بالاعدام؟ ويتصارع جيش جرار من المحامين بلغ سبعين محامياً ليشكلوا هيئتي اتهام ودفاع.. أحد المراقبين وهو قاضٍ سابق بالمحاكم المصرية اشار لذلك، ونبه الى ان هيئة «الاتهام والادعاء بالحق المدني» يتميز افرادها بضعف الخبرة القانونية والتباعد وعدم التنسيق، وذلك بالمقارنة مع هيئة الدفاع عن مبارك والعدلي التي وصفها بأن كفة الخبرات القانونية ترجح لصالحها، واصفاً رئيس هيئتها المحامي (فريد الديب) بانه خبير ومتمرس في القضايا الجنائية.. ولكنه أشار الى إمكانية استفادة، وتوظيف هيئة الاتهام للمعطيات السياسية، وضرورة ربط السياسة بالقانون، خاصة ان الشارع والرأى العام المصري يقف معهم بشدة، خاصة جماهير او ثوار ميدان التحرير. وهذه القضية تلاحظ فيها كثرة الشهود والمحررات، حيث بلغ عدد الشهود (1600)، والمحررات اكثر من ثلاثين دفترا يحوى الواحد منه العشرات والمئات من الأوراق والمستندات الرسمية.. هذا العدد الضخم من الشهود والمستندات الحكومية وصفه المحامي (ناصر حجازي كمبال) بأنه سيخلق أعباءً قانونية كبيرة بالنسبة لهيئة اتهام مبارك، ولكنها ستخرج منه بالعديد من الأدلة المادية والبينات التي ستدين مبارك وباقي المتهمين. وبالعودة إلى مسألة الشهود نعيد للأذهان الإجراء الذي اتخذته محاكمة الرئيس العراقي صدام حسين بتهم قتل (148) مواطنا عراقيا عام (1982) بقرية الدجيل، وذلك عندما أدخلت المحكمة ما يعرف حديثاً ب «برنامج حماية الشهود» في تلك المحاكمة.. فهل الأمر نفسه وارد في محاكمة مبارك وأعوانه؟ يقول الاستاذ ناصر «إن برنامج حماية الشهود صدر حديثا، في بعض البلدان، وتم اعتماده، وذلك بعد تكرار حوادث التهديد والوعيد بالتصفية الجسدية سواء للشاهد أو لمن يهمه أمره». ويقول الاستاذ «حجازي» إن ذلك نصت عليه المادة (32) من إتفاقية الاممالمتحدة لبرنامج حماية الشهود والضحايا لسنة (2003) حيث تقوم المحكمة المعنية بتوفير عدد من الاجراءات لحماية الشاهد، وذلك أثناء إدلائه بشهادته مثل عدم ذكر اسمه الحقيقي للحاضرين بالجلسة، او اعطاء اسما كوديا بالحرف او الرقم، وتمويه صوت الشاهد باستعمال تقنية صوتية معينة، وإخفاؤه خلف ستار، او تزويد اطراف المحكمة بالاسماء الحقيقية للشهود شريطة عدم الافشاء بها.. الخ. وكل ذلك يتم عن طريق المحكمة تحوطا من الاضرار بالشهود من جانب الخصم، المتضرر من الشهادة. وجوهر الفكرة يكمن في ان لدى الشاهد إفادات حاسمة في سير الدعوى، لكنه يخشى المخاطرة بالجهر بها، لذلك جاءت هذه الفكرة من الأممالمتحدة، وهي نوع من القواعد أو الإجراءات الخاصة لا تلجأ لها المحكمة الاّ اذا كانت القضية ذات حساسية عالية مثل قضايا الأمن القومي او خلافه. ويقول الأستاذ ناصر إنه من الوارد لجوء رئيس المحكمة «أحمد رفعت» لهذا البرنامج اذا كان ذلك ضروريا، واذا كان ذلك هو الطريق الوحيد للحصول على الادلة والبراهن. ولكن الأستاذ ناصر حجازي يوجّه نقداً لفكرة برنامج حماية الشهود، بأن ذلك ربما يقدح في قاعدة قانونية معروفة في فقه الجنايات وهي (عدالة الشاهد)، إذ لا بد أن تراه المحكمة، ويراه الحضور بالقاعة شخصياً، ويتبينوا وتتبيّن المحكمة من شهادته وشخصيته، وطريقته في الإدلاء بالشهادة، وهو على اليمين حتى يتحقق عنصر الاطمئنان له ولشهادته.. وأضاف الأستاذ حجازي إنه ربما يطلب الخصم من الشاهد (المخفي) أن يحدّد له شخصاً بعينه ورد اسمه في شهادته... الخ، إذاً لا بدّ من ظهوره أمام المحكمة والحضور، وأن المطلب العدلي هو إظهار الشاهد وليس إخفاءه.