النيل مصدر الحياة لكثير من أهل السودان خاصة الذين يعيشون على ضفافه يعتمدون اعتماداً كاملاً عليه.. لهذا النهر العظيم سلوك متقلب في كثير من مناطقه ففي خلال شهور الخريف يفيض النيل ويمتلئ على سعته ويغطي جروفه وجزره وشواطئه وأحياناً يفيض على ذلك ويخرج من مساره ووقتها لا يستطيع أحد أن يقدِّر ما يمكن أن يُحدثه من أضرار. بعد انتهاء الفيضان وانحسار النيل والرجوع إلى مساره القديم يبدأ ظهور المتغيرات التي حدثت جراء الفيضان وقوة التيار اللتين تنتج عنهما تلك التغيرات. ويكتشف الناس أن بعض الجروف جَرَفَها الهدام واختفت وأصبح لا وجود لها، وبعض الجزر التي كانت قائمة ويتم زراعتها انتقل جزء كبير منها إلى الضفة الأخرى لتؤسس جرفًا جديدًا يصبح من نصيب ناس آخرين يمكن زراعته، وأحياناً يغير النيل مجراه خاصة حول الجزر ويصبح المجرى أكثر عمقاً في مساره الغربي حول الجزيرة ويصبح المسار الشرقي «رحراح» يمكن خواضته. عند حدوث هذه الحالة يصف الناس النيل بأنه شرد «البحر شرد» وعندما يشرد البحر يسبِّب مصاعب كثيرة للجانب الذي شرد منه، إذ أن الطمي يترسب بكمية كبيرة في هذا الجانب ويزداد حجم الجرف ويصبح من المستحيل جلب الماء لريه من البحر الذي شرد والذي يحاول فتح جداول ليرفع منها الماء لري جرفه يجد أن ما ينتجه لا يغطي تكلفة الري كما أن الري الجماعي في هذه الحالة لا يمكن. تعبير «البحر شرد» مألوف لدى أهلنا في الشمال، وكنا نلاحظ ذلك عندما نذهب في إجازة المدرسة الكبيرة وهي فترة الصيف بين شهري أبريل ويونيو، وخلال هذه الفترة يكون النيل قد انحسر تماماً ويكشف عن ما أحدثه من متغيرات على ضفافه.. كنا كل عام نجد أن جزءاً كبيراً من جزيرة الطاهر في البلد اختفى وظهر بدلاً منه جرف على الشاطئ غرباً وشرقاً والمجرى الرئيس أصبح تجاه الضفة الأخرى. واليوم جزيرة الطاهر أصبح لا وجود لها. هذه الصورة والمتغيرات التي يُحدثها النيل على مجراه بالرغم من محدوديتها لمحدودية المجرى مرت بذهني وأنا أتابع مشكلة أهلنا المناصير الذين يطالبون بالإقامة على ضفة النيل فيما يسمى «بالخيار المحلي» وهذا الخيار أصبح محكوماً ببحيرة والبحيرة التي تمتد إلى أكثر من 160 كيلو طولاً وعدة كيلو مرات عرضاً تمتلئ على سعتها بعد تخزين مياه الخريف الذي يحمل معه كميات ضخمة من الطمي وتنحسر مياهها في فترة الصيف «أبريل ويونيو» بمسافات لا يمكن تقديرها.. فإذا كان النيل يشرد لعشرات الأمتار في مجراه الطبيعي بدون تخزين للمياه فلا شك أنه يشرد لعشرات الكيلو مترات مبتعداً عن شواطئ بحيرته التي امتدت أثناء وفي نهاية فترة التخزين. فماذا يفعل الذين اختاروا الإقامة حول البحيرة ما يسمى بالخيار المحلي؟ وكيف يستطيعون حل المشكلات التي ستقابلهم فيما يتعلق بالري بعد انحسار البحيرة مخلفة وراءها عشرات الكيلو مترات من الطمي. وهكذا يصبح الحال كل عام وبعد كل فيضان مشكلات مستمرة ومعقَّدة تواجه الذين يتمسكون بالخيار المحلي. أليس من الأفضل لأهلنا المناصير قبول خيار مشروع الفداء مع الاحتفاظ بحقهم في الاستفادة من الخيار المحلي موسمياً في زراعة المحاصيل الشتوية وصيد الأسماك حيث إن مشروع الفداء يقوم على البيئة الصالحة للزراعة المستدامة بالري والسكن المستقر والاستثمار المتواصل والخدمات الميسرة. إننا في قرانا في منطقة مروي نلاحظ ما يعانيه أهلنا بما يحدثه النيل المتمرد على الطبيعة وكيف يشرد منهم مجرى النهر للدرجة التي يصعب عليهم معالجة المشكلات التي تنتج من تمرده. نقول لأهلنا المناصير راجعوا خياراتكم وتبيّنوا ما يمكن أن يحدث فخياركم يتعداكم إلى الأجيال القادمة واحذروا فإن البحيرة تنحسر والبحر يشرد ولكم في حلفا القديمة دروس ومن السد العالي عِبر. ونسأل الله الأمن والاستقرار والنماء لأهلنا المناصير. خواطر خارج الموضوع: تخفيض دعم البنزين!! كثر الحديث في البرلمان والشارع عن رفع الدعم عن البنزين، يعني بالعربي زيادة الجالون بمائة وخمسين قرشاً «جنيه ونصف» وانتهى الأمر برفض المجلس الوطني لهذه الزيادة وهذا موقف مشرِّف يشكر عليه. نريد أن نقول على الحكومة بجميع مؤسساتها التنفيذية والسياسية وأجهزتها الأمنية وكل شركاتها أن يفرض على الجميع تخفيضًا في المصدق من البنزين وترشيد الاستهلاك بنسبة «20%» عشرين في المئة للحصص الشخصية والرسمية وفرض رقابة على عربات الحكومة بجميع أشكالها وخفض عدد العربات لدى جميع المسؤولين وتطبيق أسلوب العربة النبطشية للمأموريات الضرورية تحت إشراف وكيل وزارة مجلس الوزراء الذي اقترحه السيد وزير المالية سابقاً. ونذكِّر الحكومة بلجنة العقيد بحري محمد ميرغني التي ضبطت عربات الحكومة واستهلاك البنزين عندما استلمت الإنقاذ السلطة «بتذكّروا!؟» ونقول أيضاً لجميع المواطنين الذين يستخدمون عربات تسير بالبنزين تعالوا نرشد استهلاكنا بنسبة 20% عشرين في المائة ونقلل الجري الكثير والمشاوير الفارغة التي يمكن أن نعالجها بالاتصال بالتلفون. على كل حال هذه أفكار يمكن أن تقلل من حجم الدعم على البنزين وهنالك أفكار كثيرة أخرى يمكن طرحها خاصة في مجال الصرف الحكومي. ونسمع هذه الأيام من وزير مجلس الوزراء الحديث عن سفر الوفود والصرف عليها وفي هذا بذخ غير محدود ومصاريف مبالغ فيها ونثريات طالعة الدرب.. يحكي لي أحد الأخوان أيام وفود مفاوضات نيفاشا اللا محدودة أنه من مخصصات السفر استطاع أن يبني بيته الجهبوذ!! وما هو عجيب في سفر المسؤولين أن يكون معه «1» السكرتير «2» وموظف من المراسم «3» وحرسه الشخصي «4» ومدير مكتبه «5» وموظف العلاقات العامة «6» ورئيس القسم المعني بموضوع السفرية ليصبح العدد «7» أشخاص بالوزير أو المسؤول. طيب هل هنالك حاجة لكل هذا العدد؟ ممكن نقول المسؤول ورئيس القسم المعني يكفي والعدد الباقي تنتهي مهامهم عند صالة كبار الزوار؛ لأن نفس هذه الوظائف والمهام يمكن أن تقوم بها السفارة السودانية خير قيام في الجهة التي يقصدها الوفد من استقبال إلى ترحيل إلى الإسكان إلى أعمال السكرتارية إلى شراء الاحتياجات من الأسواق.. إلى.. إلى.. إلخ.. وما أنشئت السفارات إلا للقيام بتلك المهام. هو ذاته السيد السفير وأعضاء سفارته يمكن أن يقوموا مقام الوفود وينجزوا المهام المطلوبة في كثير من الأمور ويصبح لا داعي لسفر الوفد من أساسه. «يا ربي الكلام القاعدين نقوله ونكتبه الجماعة المسؤولين ديل قاعدين يقروه؟»