قد يكون السيف كما الرمح عنصراً للقوة ، أما القرطاس والقلم فهما عنصرا الفكر وكلمات الحق، بالتالي فالجدال هو هل القوة هي التي تحرس الفكر أم الفكر هو الذي يأتي بالقوة، وحتى لا نزج انفسنا في مماحكات كلامية وجدل بيزنطي، فالأمر الذي يتفق عليه الناس هو أن القوة المجردة من التفكير سرعان ما تتلاشى مهما كانت باقية لزمن طويل أو قصير، وتكفينا هنا الإشارة إلى من اعتمدوا على قوتهم المادية واستخدموها، ظناً منهم أنها يمكن أن تغنيهم عن التفكير والرأى السديد، ومن ثم تجنبهم الهزائم في كل الميادين، حيث وجد هؤلاء أنفسهم برغم قوتهم المادية وأسلحتهم الفتاكة في ركن ضيق كالذي انتحر ببندقيته، واحترق بفعل نارٍ لم يعلم صاحبها أنها ستحرقه قبل إحراق الآخرين. وليس منا من يدعي أن الإمبراطورية الشيوعية كانت في حاجة إلى سلاح أقوى وأمضى مما كانت تملكه، فهي الإمبراطورية التي أُزهقت خلال عهدها أرواحُ الملايين، ونصبت آلاف الشانق، وُقتِّل العلماء، وحوصر الدين الإسلامي بحسبانه أفيوناً للشعوب، ولكن لم تسلم الشيوعية برغم جبروتها وعنجهيتها وعظم آلتها العسكرية من السقوط تحت مطرقة الواقع، لأنها نظرية قامت معادية للفطرة الإنسانية والتفكير العقلاني المستقيم. والذين يروجون لأفكارهم ويولون لأهميتها ألف اعتبارٍ، قد تمسهم الضرَّاء، وتحيط بحركتهم الابتلاءات، فلا يجد معظمهم سلاحاً به يدافعون دعك من قدراتهم على رد الهجوم، ويظل هؤلاء لزمن قد يطول، مجردين من أسباب القوة، فيطالهم الاضطهاد تعذيباً ومحاصرةً وتضييقاً، ولكن كما يقول الشهيد سيد قطب إن كلماتنا تبقى عرائس من الشمع، حتى إذا متنا في سبيلها دبت فيها الروح وكتبت لها الحياة. والذين يرجون لله وقاراً والمبادئ انتصاراً وللحياة اعتباراً، عليهم ألا يتكئوا كثيراً على القوة المادية، أو الترتيبات الأمنية والعسكرية، فهذه جميعاً وسائل للحماية وليست هي الأصول التي ينبغي أن تكون مناطاً لوطأة التركيز والتكثيف. فالمبادئ التي كانت نتاجاً لجهود المفكرين والعلماء وفقهاء الأمة، ظلت تستمد قوتها من صميم الحقيقة التى تمثل قلبها وركنها الركين، إذ لا يضير شعاع الشمس، تلبد السماء بالسحاب، ذلك لأن السحب لا تملك أن تحجب الضوء على مرِّ الزمان، كما لا يضير البحر أن تطفو على سطحه فقاعات الزبد الرابي، لأن الزبد يذهب جفاءً ويبقى ما ينفع الناس. ونصيحتنا هنا للذين يودون إقامة المجتمع الطاهر والدولة الرشيدة، أن يتسلحوا بالقرطاس والقلم، وقبل ذلك بالكتاب المحفوظ، إذا أرادوا لمجتمعهم البقاء ولدولتهم العلم الخفاق، وأمام ذلك سيزهق الباطل مهما كانت انتفاشته أو له الكثير من الهيل والهيلمان، أما القوة المجردة من المبادئ وثمرات العلوم ودرر المفكرين والعلماء، فهي كالهر يحكي انتفاخاً صولة الأسد.