تبقى الأفكار حيَّة و إن مات أصحابها ،وما أجمل عبارات الشهيد سيد قطب عندما كتب قائلاً ((تبقى كلماتنا عرائس من الشمع، حتى إذا متنا في سبيلها، دبت فيها الروح وكتبت لها الحياة)). فالشهيد سيد قطب، لم يكن وزيراً في حكومة، ولم يستمتع في دنياه بأبُّهة سلطانية أو بهرج ملوكي، لكنه كان كاتباً و مفكراً، تمتلئ كلماته بالقوة والحياة مما جعلها خالدة تشكل ثقافة للأجيال المتعاقبة وتغذي نار الثورة في قلوب طلائع الزحف الإسلامي، للقضاء على فورات الباطل، ونزغات الشيطان، مهما كان لها من الهيل والهيلمان . والكثيرون في زماننا هذا، يتخيلون بأنَّ المناصب، والجلوس على عروش الأمر والنهي، يمكن أن تخلد لهم اسماءً، وتضئ لهم سيرة، لكنهم لايعلمون بأنَّ السلطة يمكن أن تنزع، والأمارة قد تسقط، وإن طال بأهلها الزمان، والسعيد هو الذي يوجه ما أتاه الله من قوة في إتجاه بناء الأفكار، وتعمير الوجدان، فيكون الكسب متمثلاً في ذهاب المظهر، وبقاء الجوهر، لأن المظهر قد يعود إذا استقر المضمون، ولا استقرار لزبدٍ راب إذا كانت الفكرة طائشة، والبهرج كان يمثل الغطاء اللامع لجيفة يتقزز من رؤيتها أولئك الذين لهم القدرة على رؤية ماوراء المناظر والأشكال. والفرق شاسع بين دولٍ قام عمادها على التفكير السديد والرأي القويم والتربية المركزة للكوادر والأتباع ، وبين دولٍ إعتمد منشئوها على مناصب توهب، وسلطات توزع، وقوة مادية يكون مناطها تكثيف التصويب والجموح نحو الإستئثار بمراكز القوة، والتحكم في مجريات الأمور. والدولة الإسلامية الأولى، كانت قوتها، نابعة من رسالتها، وهي الرسالة التي صنعت القادة وليسوا هم القادة الذين سطع نجمهم بمعزلٍ عن تلك القيم و العقائد التي تجذرت في أعماق ذلك المجتمع الذي تجاوزت إصداؤه الدعوة التي تبناها طوال فترات التاريخ . والفكرة التي نرنو إليها، وندعو قادة هذه البلاد لترسم طريقها، هي الكفيلة بخلود أسمائهم، وتمجيد صفاتهم، وأمامهم تتلاشى المناصب وزخرفها، وتتضاءل السلطة وسطوتها، لأن الفكرة قابلة للإعمار ، وهي شموعٌ لا تخبو إضاءتها، وأنوارٌ لايسقط شعاعها تحت الأقدام، وإنما هو السطوع البعيد، والنور الوضئ، الذي يظل هكذا ليهدي به الله من يشاء عبر إمتدادات الزمان وإختلافات المكان. وعندما ننهض بكل الذي أوتيناه من قوة، لبناء دولة، وإعمار حياة والإضطلاع بمهة خلافة، علينا ألا نضع بالاً لزخرف نعول عليه، أو لبهرج يشغلنا عن لُبَّ فكري هو الضامن لبث رسالة وحفر آثارٍ في المجتمع غير قابل للمحو وإن ذهب عنها عنصر الحكم والسلطان. كما يجب أن ندرك بأن انتصار الأفكار باقٍ ، أما إنتصار المزهوين بسلطتهم فهو إنتصار كالمستظل بشجرة للحظات، وهو ينوي الوصول إلى محطة بعيدة لا يمكن إدراكها إلا بتحمل المشقة والوعثاء التي تتصف بها الأسفار، والفكر هو زاد السفر إذا أراد الحكام في هذا الزمان أن يكتب لهم في سجلهم الخلود لما اتصفوا به من سمات وأخلاق وصفات.