عندما تسلَّم «ماوتسي تونج» الحكم في الصين عام 1949م كانت الصين معتمدة على اللغة الإنجليزية والبلاد تتكلّم بلغات كثيرة متباينة، فعمد إلى اختيار اللغة «الخانية» التي يتكلّم بها الناس في منطقة بكين العاصمة وجعلها لغة الدولة والتعليم، ومع ما في اللغة الصينية من تعقيدات وصعوبات حيث تتميز بعشرات الآلاف من الحروف إلا أنَّ «ما وتسي تونج» رفض استبدالها بالحروف اللاتينية أو التخلي عنها، فعملوا على تخفيض عدد حروفها والتعلُّم بها عن طريق النقل والترجمة واستطاع الشعب الصيني في خلال ثلاثين سنة أن يُقيم كياناً صناعياً وثقافياً وحضارياً وعلمياً جعل الصين في مصاف الدول الكبرى بل في مضاهاة امريكا، وصارت الصين من الدول التي اخترقت الفضاء وصنعت الصواريخ العابرة للقارات، كل ذلك بفضل اللغة الصينية وليست اللغة الإنجليزية التي أصبحت مثل اللغات الأُخرى يتعلَّمها الناس لغة ثانوية تمثِّل نافذة إلى حضارة الغرب وعلومه. ولعلَّ ما تقدَّم يعطينا إجابةً واضحة عن تخلُّف الدول العربية في مجال الصناعة والتقدُّم التكنولوجي، فعلى الرغم من أنَّ كثيراً من هذه الدول قد نالت استقلالها قبل كوريا والصين إلا أنَّها تخلَّفت لأنّها أرادت أن تنفذ إلى الحضارة من خلال اللغة الإنجليزية أو الفرنسية، ومع ما أنفقت هذه الدول من أموال فإنَّها في سلك الدول المتخلِّفة صناعياً وحضارياً، وهذا يقتضي أن تكون اللغة العربية هي لغة العلم والصناعة، وأن تستفيد من تجارب الصين واليابان وكوريا في تعريب العلوم وهضمها وتمثيلها بالعربية كما فعل أجدادنا العرب في عهود الإسلام الزاهية حتى يمكن أن نلحق بركب الحضارة والعلم من خلال الطريق الذي سلكته أُمم العالم المتقدِّم اليوم. وإذا نظرنا إلى عدوالعرب «اسرئيل» نجد أنَّ اللغة العبرية كانت من اللغات الميتة، وعندما قامت إسرائيل في فلسطين كان أول ما فعلوه أن جعلوا العبرية لغة الدولة ولغة التعلُّم، وأسسوا الجامعة العبرية التي تدرَّس فيها كل العلوم بالعبرية، وانتقلت اللغة العبرية بعد فترة من الزمان من لغة مهملة إلى لغة علمية على مستوى العالم يأخذ منها العلماء في الغرب والشرق، فكل الجامعات والمعاهد المتخصصة في الكيان الصهيوني تتخذ العبرية لغةً للتعليم حتى في مجال علوم الذرَّة والفضاء، وكل ذلك لأنَّ اللغة هي الجوهر والمظهر، والبلاد الأوربية كلها تُعلِّم طلابنا الذين يفدون إليها بلغاتها القومية بينما نتعلَّم نحن في بلادنا بلغات مختلفة ليست العربية منها. وحتى لا يكون المثل منطبقاً على الدول العربية وحدها، فعلينا أن ننظر إلى دولة ذات كثافة سكانية مثل «الهند» لماذا لم تتطور بالطريقة التي تطورت بها اليابان وكوريا مع تشابه الظروف معهما؟ لأنَّ الهنود اتخذوا اللغة الإنجليزية لغة علم وثقافة الأمر الذي جعلها تعاني من التخلُّف في مجال الصناعة والعلوم مع أنّها أقدم في صلتها بعلوم الغرب وثقافته من اليابان والصين. إنَّ الدول التي تسعى إلى التخلُّص من قيود التخلُّف في مجال العلوم، عليها أولاً أن تبحث عن المفتاح الذي يمكن أن تفتح به الأبواب المغلقة والكنوز المقبورة، وهذا المفتاح ليس إلا اللغة القومية التي تعتبر المقوِّم الأساس لشخصيتها .