تحدٍ كبير يواجه السلطة الانتقالية لدارفور التي تم تشكيلها أمس الأول، وهي معلوم أنها لم تكن السلطة الأولى، فلقد كانت هناك سلطة مناوي ويمكن أن نسميها بذلك لأنها كانت سلطة الرجل الواحد.د. التجاني السيسي منذ أن قدم السودان ظل في تعاون وانسجام مستمرين مع الحكومة بشأن إنفاذ اتفاق الدوحة، فالرجل لم نسمع منه أي حديث مخالف، وهذا لايعني عدم وجود الاختلافات في وجهات النظر، بل السيسي مشهود له بالحكمة منذ أن كان حاكماً لدارفور قبل الإنقاذ، وإذا ما أردنا أن نعقد مقارنة بين سلطة السيسي ومناوي نجد أن الأخير رسم صورة غير مقبولة عن إدارة السلطة فلقد ظل الرجل في حالة تشاكس وتعارض مستمرين مع مع الأطراف التي وقعت اتفاقية أبوجا من جانب الحكومة، خاصة إذا ما وضعنا الرحيل المفاجئ لعراب اتفاقية أبوجا مجذوب الخليفة، حيث قال مناوي بعد ذلك أن الاتفاقية ماتت بموت مجذوب، قال ذلك الحديث والاتفاقية في بداية الطريق لتتنزل على الأرض. لكن اللافت أن السيسي درس اخفاقات وسلبيات السلطة الانتقالية السابقة، وبدا ليس من حيث انتهى مناوي، بل من مما بدأ لأن الرجل «مناوي» لم يترك أي بصمة إيجابية تحسب له، سواء في القصر الجمهوري أو السلطة الانتقالية. فمطلوب من السيسي إذا أراد إنجاح السلطة الانتقالية أولاً التخلُّص من رواسب مناوي خاصة المشاكل التي خلفها سواء كانت القبلية التي استشرت وأدت إلى انشقاقات في الحركة، أو تلك الخلافات التي نشبت منذ بداية تكوين السلطة مع عبد الجبار دوسة كبير المفاوضين لحركة مناوي أو غيره. بيد أن مراقبين يرون أن أسوأ حلقات السلطة الانتقالية السابقة كانت هي إدارة المال، فقد شهدت تلك الفترة عدم شفافية في إدارة المال، واشتكى المفوضون الذين يتبعون للسلطة من أن مناوي يتسلّم كافة الأموال بما فيها المرتبات لكنه يخصم منها 60% ويدفع بالباقي للمفوضيات، فضلاً عن كثير من المخالفات المالية التي نشرت بعدد من الوسائط الإعلامية عن فساد الرجل. إذن نجاح السيسي يتوقف على ضرورة إدارة المال، وأن يضع في الحسبان أن السلطة السابقة جاءت في وقت لم يكن هناك أزمة في توفير الموارد، لكن اليوم نجد أن توفير تلك الموارد ليس بالأمر السهل مما يعني أن إدارته لابد أن تكون بحكمة وشفافية، بعيدًا عن الغموض والصرف في القضايا الانصرافية، لكن ذات المراقبين يشيرون إلى أن السلطة الحالية بدأت مترهلة أكثر من السابقة مما يلقي عبئاً إضافياً على الحكومة المركزية لتوفير المرتبات وأموال التسيير وغيرها من التكاليف الإدارية التي ربما تقعد السلطة عن مهامها الأساسية وهي العمل على عودة النازحين واللاجئين واستقرار الأمن بدارفور. لكن من المؤشرات الإيجابية التي أمّنت عليها حركة التحرير والعدالة هي إدارة شوؤن السلطة الانتقالية من دارفور، وهي خطوة تنم عن مدى استيعاب السيسي وقيادات حركته لأهمية التوصل لسلام دائم وشامل في الإقليم، وهو عكس فهم مناوي الذي تشبث بضرورة أن تكون السلطة في الخرطوم، وظل بها في مماحكات دون الالتفات إلى الهدف الذي من أجله وقّع أوجا، وحتى زياراته لدارفور، كان يذهب إلى مناطق قواته ويقيم بها الشهور دون أن ينجز أي عمل يدعم أهل دارفور، وختمها بالذهاب إلى جوبا ومن ثم ضل الطريق إلى كاودا من غير رجعة. من كل ذلك يتضح أن مشوار السيسي في بلاط السلطة الانتقالية ليس مفروشاً بالورود بل محفوف أكثر بالمخاطر في ظل رياح الحركات المسلحة رغم ضعفها بعد مقتل خليل والتي ربما تتناوشها إن وجدت أرضاً خصبة في حركة التحرير والعدالة.