علي غير العادة يحتفل السودانيون هذا العام بعيد الاستقلال بطريقة مختلفة حيث صادف يوم أمس الأحد الموافق الأول من يناير للعام 2012م الذكرى رقم (56) لاستقلال السودان من براثن المستعمر البغيض الذي جثم على خيرات هذا البلد لأكثر من قرن من الزمان منذ بداية العهد التركي المصري في العام 1821م وحتى تاريخ رفع علم الاستقلال في يناير 1956م حيث يمثل هذا العام الاستقلال الحقيقي للسودانيين علمًا بأن المستعمر وان كان ذهب بجسده فقد كان موجودًا في السودان عبر «شوكة الحوت» «جنوب السودان». فإذا كانت جميع ولايات السودان شاركت بأبنائها في أن يكون السودان حرًا مستقلاً فان الولاية الشمالية لم تكن بمنأى عن ذلك فقد سطرت شخصيات منها أسماءهم بأحرف من نور في سماء هذا الوطن العزيز فلن ينسى التاريخ شخصيات من الشمالية أمثال عبد الرحمن المهدي سيد فرح من جزيرة صاي وكذلك مهيرة بنت عبود في ديار الشايقية أمين التوم، إسماعيل الأزهري، الزبير حمد الملك «ارقوا»، ميرغني حمزة، إبراهيم احمد، محمد احمد محجوب، محمد نورالدين، عبدالله عبد الرحمن نقد الله، وهذا على سبيل المثال وليس الحصر وهي شخصيات أعطت وما استبقت في سبيل الوطن.. وترى الاستاذة مها شلبي أستاذة التاريخ بكلية التربية بجامعة دنقلا أن الاضطهاد والظلم الذي مارسه المستعمر بعد سقوط الدولة المهدية والذي انتهجه الحكم الانجليزي المصري جعل السودانيين يتخذون طرقًا مختلفة في طريقة المقاومة للحكم الجديد أبرزها «المعارضات الدينية والحركات الوطنية والجمعيات الوطنية وغيرها» وأضافت أن من ابرز تلك الحركات حركة عبد القادر ود حبوبة الذي قاد حملة ضد المستعمر ومعه ملك الحلاوين إلى أن تم إعدامه بطريقة بشعة حيث تم تعليق جثته بعد شنقه لعدة أيام مما جعل المجتمع الدولي يندد بذلك باستخدام برطانيا للوحشية والقوة المفرطة في المعاملة مع السودانيين، مشيرة إلى أن مواصلة السودانيين لنضالهم عبر الجمعيات الوطنية كجمعية اللواء الأبيض ومؤتمر الخريجين وثوره 1924م مهدت لنيل السودان استقلاله. بينما يرى عبد الله الزبير حمد الملك حفيد الملك محمد حمد وهو الملك الذي حكم المنطقة الواقعة بين ارقو شمالاً حتى دنقلا العجوز جنوبًا بالشمالية من أواخر القرن الثامن عشر حتى العام 1934م حيث تتكون كلمة «ارقوا» من كلمتين بلغه الدناقلة وهي «أر» و«قو» والأولى تعني الملك بينما تعني الثانية الأرض والكلمتان في مجملهما تعنيان «ارض الملك »، ويشير عبد الله في حديثه ل«الإنتباهة» إلى أن جده الأول والثاني كانت لهما بصمات واضحة في مسيره النضال الوطني في جميع الحقب كما كانت لهما مجهودات واضحة في الاهتمام بخدمة مواطن المنطقة من حيث ترقية النشاط الزراعي وإنشاء المؤسسات التعليمية، وأضاف أن والده الناظر الزبير حمد الملك الذي كان ناظرًا لعموم منطقه الدناقلة في الفترة من «1935 1969م» هو أول من ثنّى الاقتراح القاضي بالحكم الذاتي في الجمعية التشريعية في العام 1950م أي قبل ثماني سنوات من المقترح الذي تداول للمرة الثانية في العام 1955م والذي تقدم به المناضل ميرغني حسين زاكي الدين وثناه رفيقه في النضال سهل جمعة واستنكر حفيد الملك علي العديد من الوسائط الاعلامية التي لم تبرز هذه الحقيقة التاريخية المهمة في تلك الحقبة مشيرًا إلى أن ادوار الزبير الوطنية تجلت في العديد من المواقف منها اقتراحه بألّا تكون جلسة تقرير المصير جلسة سرية بينما كان الرأي الآخر يقول بان تكون جلسة مغلقة فانتصر رأيه وعمل به فتم فتح الجلسة للصحفيين وكبار المثقفين موضحًا أن دراسة والده للقانون وتخرجه في كلية غردون التذكارية مكنته من أن يساهم في وضع بصمات في مهنة القضاء في جميع المواقع التي عمل بها فعمل مترجمًا ومستشارًا قانونيًا في سرايا الحاكم العام كما يعتبر من أوائل ثلاثة شخصيات درست القانون علاوة على إجادته للغة الإنجليزية في ذلك الوقت كما كان عضوًا نشطًا في مؤتمر الخريجين كما انه يعتبر عضوًا مؤسسًا للحركة الاستقلالية مع الإمام عبد الرحمن المهدي ورفاقهم وكان عضوًا لمجلس النواب بعد الاستقلال كما كان عضوًا في لجنة تسيير اركويت الأول في عام 1949م وهو المتعلق بموضوع التنمية لشمال السودان، ويضيف عبد الله أن تعين والده رئيسًا للإدارة الاهلية في منطقة دنقلا جعله المساهم الأكبر لوضع القانون المحلي في العام 1951م,حيث يعتبر مجلس ريفي دنقلا أول مجلس نموذجي نظرًا لأنه كان تحت قيادة رجل مثقف ومتعلم في نفس الوقت، مشيرًا إلى أن والده كان له القدح المعلى في تشجيع تعليم البنات بالشمالية اضافة لإنشائه للعديد من المدارس بالمنطقة وتطويره للعمل الزراعي وتأسيسه لنظام العمل التعاوني، فجميعها أعمال خلدت له ذكراه في صفحات تاريخ الحركة الوطنية والتي امتدت منذ الاستعمار إلى أن تمكن مع رفاقه من ازاحة ذلك الكابوس من صدور السودانيين.