جاء في مؤلف الأستاذ الدكتور المعتصم أحمد الحاج بعنوان«التعليم الأهلي في أمدرمان» بأن أول من أسس المعهد العلمي عام 1912 الشيخ أبو القاسم أحمد هاشم الذي تم تعيينه شيخاً للعلماء خلفاً للشيخ محمد البدوي الذي توفي أواخر عام 1911م وكان شرط الشيخ أبو القاسم لقبول المنصب أن يؤسس معهداً على غرار الأزهر الشريف.. فوافقت الإدارة البريطانية الحاكمة على الفكرة شريطة أن يكون هدفه العلم لأجل العلم وأن خريجي ذلك المعهد لا مكان لهم في الوظائف الحكومية، وأن الحكومة غير مستعدة للصرف عليه من ميزانيتها، ورأت الإدارة المستعمرة أن قيام المعهد سيكون لسفر الطلاب لمصر للدراسة في الأزهر ويجنبهم مؤثرات الحركة الوطنية المصرية، فوافق الشيخ أبو القاسم على شروط الحكومة لأنه لم يكن يأمل في مساعدتها أو دعمها، ورأى أن حاجة الناس للتعليم ستجعلهم يرعون المعهد، وبالفعل فقد قدم أهل أمدرمان الدعم وجمعوا التبرعات لبناء الجامع الكبير الذي هو مقر المعهد. تلك كانت البدايات رغبة أهل السودان للتعليم، في ظل عدم رغبة واستعداد المستعمر لقيامه أو تقديم أي شكل من أشكال التشجيع لقيام مثل هذا النوع من التعليم بل أنهم ذهبوا إلى إنشاء مدارس كمبوني وغيرها كي تخرَّج فئات خاصة من الطلاب، الشيخ أبو القاسم تدرّج بالدراسة في المعهد على نظام السنوات الأربع المتبع في الأزهر الشريف(ابتدائي أهلي عالي) وفي العام 1924م أكملت أول دفعة من الطلاب دراستها وكانت مكونة من أربعة أحرزوا الشهادة العالِمِية«بكسر اللام والميم» وهي تعادل الجامعية واعترف بها الأزهر وبذا يكون المعهد العلمي أول مؤسسة سودانية للتعليم العالي الأهلي بل تعد المؤسسة الرائدة في تقديم متكامل يبتديء بالسنة الأولى وينتهي بالسنة الثانية عشرة. وذلك من خلال الجمعية الأدبية التي أنشأها الشيخ أبو القاسم عام 1927م وكانت حلقاتها تنعقد في فناء الجامع الكبير ويؤمها جمع غفير من المواطنين من المهتمين وشاركوا في إثراء حركة الأدب والثقافة من خلال الكتابة في الصحف والمجلات والمهرجانات وتخرج في المعهد عدد من أعلام الأدب والثقافة في السودان أمثال التجاني يوسف بشير ومحمد عبد الوهاب القاضي وخالد عبد الرحيم«أبو الروس» وأحمد يوسف هاشم«أبو الصحف» ومحمد محمد علي وغيرهم.. وسار المعهد في طريق التطوير حيث شهد عام 1957 إنشاء أقسام متخصصة في اللغة العربية والشريعة، ثم تطور إلى كلية إسلامية عام 1963 وبعد ثورة أكتوبر 1964م أصدر مجلس الوزراء في السابع من يونيو 1965 قراراً بقيام جامعة أمدرمان الإسلامية بعدد من الكليات وذلك في عهد الوزير بدوي مصطفى. وفي تزامن مع مسيرة المعهد العلمي في أمدرمان كانت هناك معاهد علمية في مناطق أخرى من السودان ابتدائية، أهلية أي ثانوية، تكاد تغطي جميع محافظات السودان لما وجده المواطنون من جدوى إلى جانب إنشاء المدارس الأهلية بسبب تباطؤ سلطات الحكم الاستعماري في تشجيع التعليم والعزوف عن تقديم أي دعم للنشاط التعليمي الأهلي، وقد كنت أحد ثمار غرس المعاهد الأزهرية حيث التحقت بمعهد الحسن سعود في بورتسودان عام 1957م وأكملت دراستي حتى الثانوي وتصادف سنة تخرجنا من الثانوي قرار إنشاء الجامعة الإسلامية بكلياتها العديدة وتخصصاتها المغرية فكنت من أوائل المقبولين بها بكلية الآداب قسم الصحافة والإعلام ومن أوائل دارسي علوم الصحافة والإعلام.. وقد أفدنا كثيراً من المناهج الدراسية بالمعهد خاصة في مجالات اللغة العربية والفقه الإسلامي وبقية العلوم الأخرى كالرياضيات والتاريخ والحضارة الإسلامية وعلم الاجتماع وعلم النفس واللغة الإنجليزية والفرنسية أيضاً.. ومن هنا يتوجب عليّ أن أحيي علماء السودان الذين دعموا مسيرة التعليم الأزهري وأولئك الوطنيين في مؤتمر الخريجين الذين دعموا التعليم الأهلي عموماً والمعاهد بصفة خاصة.. وأحيي الجامعة الإسلامية التي صمدت في وجه الأعاصير والحروب حتى بلغت العام المائة.