عدت لبورسودان بعد سنوات فوجدت المدينة قد عادت لسابق عهدها في الستينيّات نظافة وجمالاً وتنسيقًا وذلك بفضل واليها «محمد طاهر أيلة» وهو من تلاميذي الذين أعتزّ بهم فكانت هذه القصيدة. إني أتيت إليك اليوم مشتاقا شوق المحب الذي بالبعد قد ضاقا يا درة الشرق يا أزهى مدائننا دوما عرفتك لا تلوين أعناقا ما زلت أنت كما قد كنت مبهجة ما زال حسنك مثل النّيل دفاقا إني عشقتك عشقا لا مثيل له من قبل أن تعرف البلدانُ عشاقا طفت البلاد بلاد الله أجمعها فما وجدت لجرح القلب ترياقا حتى وجدتك كالحسناء رائعة وأنت تبدين مثل البدر إشراقا أتيت أهفو لأيام الصبا فرحا أعلل النفس كأس الوصل دهاقا أسائل الأرض عن ماض سعدت به أرهقت من سبب الحرمان إرهاقا أتيت بالشوق أسعى في شوارعها والقلب ما زال رغم العمر- خفاقا أغالب الشوق في فكري وفي خلدي ما كنت يوما لودّ الأهل عقاقا فالعمر ما عاد مثل الأمس مزدهرا بعد المشيب الذي للرأس قد عاقا قد مرّ فينا كضيف زائر عجل والشّيب أصبح مثل النّجم برّاقا إن غاب شخصي عن لقياك من زمن فالقلب ما غاب عن ذكراك إطلاقا منازل كنت أغشاها وأقصدها فيها الأحبّة أجناسا وأعراقا يبادلونك ودّا خالصا عبقا سيماهمُ بصفاء الحب قد راقا قضيت فيها الصّبا والعمر أينعه وعشت فيها ربيع العمر ذوّاقا للعلم للشّعر في أعلى معاهدها في »خلوة الشيخ« ما لاقيت إملاقا وقد سعدت زمانا في معاهدها »في الثانوية« قد خلّدْتُ أشواقا في كلّ منعطف لي فيك ذاكرة وكلّ درب به سامرت أحداقا الناس فيها كما قد كنت أعهدهم رفقًا وحسنًا وإحسانًا وأخلاقا ما في علاقتهم ميْنٌ ولا كذب ولا مراء لسوء الظن لحاقا سمر الوجوه على أحداقهم ألق يشجيك سامرهم بالقول مصداقا كلّ الخرائط في ذهني موثقة منذ الطفولة ما بدّلت ميثاقا يا بورسودان وما أحلاك في شفتي تجسّد العمر أعماقا وأعماقا القلب يعتلّ من شوق يلازمه والجسم يعتلّ بعد القلب إشفاقا البعد أرهقه والشوق أقلقه يكفيه من ألم الحرمان ما لاقا قد كان في »المعهد العلمي« منبتنا فيها نهلنا كؤوس العلم أفواقا شيوخنا درسونا الخير في قيم عشنا بها في دروب الحق طرّاقا صحب تساقوا كؤوس العلم في شغف يسامرونك ألواحا وأوراقا وكلّهم بوثاق الله مرتبط وكلّهم كان للعلياء توّاقا وبعضهم صار للسّودان مفخرة وبعضهم بذل المعروف إنفاقا يا بورسودان وهل في عودة أمل إنّي أتوق إلى الأحباب مشتاقا أجدد العهد للماضي أعيد به أيام كنت خليّ القلب أغلاقا فالكأس لم يبق فضل فيه أشربه والمزن ما عاد يسقي الأرض غيداقا بروفيسور/ عباس محجوب الجامعة الإسلامية العالمية إسلام آباد