ليس هناك جديد.. في مذكرة الرئيس الأمريكي باراك أوباما لوزارة الخارجية في بلده، بموافقته على بيع أسلحة لدولة جنوب السودان في إطار تطبيع العلاقة بين البلدين.. وقال أوباما إنه «سيسمح للولايات المتحدة بتقديم مواد وخدمات دفاعية إلى جنوب السودان لأن القيام بذلك سيعزز أمن الولاياتالمتحدة ويدعم السلام العالمي». وقالت فيكتوريا نولاند المتحدثة باسم وزارة الخارجية إن الولاياتالمتحدة ودولة جنوب السودان تناقشان معايير العلاقات الدفاعية المستقبلية، وأضافت: «كنا منفتحين منذ البداية وحتى قبل إعلان دولة جنوب السودان على المحادثات التي رغبوا في إجرائها معنا حول كيفية تأمين حدودهم والدفاع عن أنفسهم في المستقبل».. لا تحمل هذه التوجهات الأمريكية أي جديد، فالعلاقة بين واشنطون والحركة الشعبية التي تحكم دولة جنوب السودان هي علاقة الأم برضيعتها، لقد ولدت الحركة الشعبية من رحم الدوائر المسيحية المتصهينة في الولاياتالمتحدة وحملت أفكار وتوجهات السياسة الأمريكية تجاه السودان والمنطقة منذ الانعطاف الكبير للحركة من توجهاتها اليسارية المدعاة السابقة نحو الحضن الأمريكي عقب سنوات قليلة من نشأتها. وراهنت الولاياتالمتحدةالأمريكية في الحركة الشعبية لقيادة مشروع تغيير السودان وكشط هويته وثقافته العربية الإسلامية، عبر مشروع السودان الجديد، وكانت فترات الحرب منذ النصف الأول من عقد الثمانينيات هو تجسيد عملي للكيفية التي كانت تريد بها تحقيق هذا المشروع، ولما شعرت بفشل المسعى وخبال الطريق اختارت وسلة أخرى وهي الاتفاق والسلام بين شطري السودان، وأخفق التدبير الجديد أيضاً، فاختارت الدوائر الأمريكية دعم توجه قيادة الحركة نحو الانفصال والبحث عن سبيل آخر لتقويض أسس ومرتكزات السودان الحضارية، عبر تحالف عريض تنفذه دولة جنوب السودان وحركات دارفور وعملاء الحركة الشعبية في جنوب كردفان والنيل الأزرق وبعض الأحزاب المارقة في الشمال وما يسمى بقوى الإجماع الوطني. إعلان استعداد الولاياتالمتحدة تزويد هذه الدولة الفاشلة في قلب القارة الإفريقية بالسلاح ليس المقصود به تعضيد الأمن الداخلي للجنوب والمساهمة في تقوية أذرع الدولة الوليدة لكبح العنف والاحترابات القبلية التي تحصد ألوف الأرواح في الجنوب.. لكن المقصود هو دعم وتأهيل الجيش الشعبي ليقوم بدوره العدواني تجاه السودان وإمداد عملائه في النيل الأزرق وجنوب كردفان وحركات دارفور لمواصلة الحرب في السودان، وتوفير العتاد الحربي لهذه المجموعات التي احتضنتها دولة الجنوب لهذا الغرض بعد أن فقدت هذه الحركات داعمها الأكبر بسقوط وزوال نظام القذافي في ليبيا. وسبق هذا الإعلان عن تزويد دولة الجنوب بالسلاح، دعم أمريكي كامل لتأهيل وتطوير الجيش الشعبي، ولم تُخفِ الولاياتالمتحدةالأمريكية منذ 2005م تعاونها مع جوبا في إعادة صياغة جيشها وإنشاء مقراته وقيادات قواته الجوية والبرية في رمبيك ومناطق أخرى في الجنوب، وقبل أسابيع صرّح أكثر من مسؤول عن جدية واشنطون في تأهيل وتطوير قدرات الجيش الشعبي وجعله جيشاً نظامياً. وتعلم واشنطون أنه لا يوجد أي مهدد للجنوب من جواره الإفريقي في كينيا ويوغندا وإثيوبيا، رغم وجود أطماع لهذه الدول في الجنوب وموارده، لكنها تدعم دولة الجنوب عسكرياً لمواجهة السودان والخطر المتوهّم من العدو المتخيّل شمالاً..!! ومن الطبيعي أن ننتبه هنا في السودان لهذه الخطوة الأمريكية المعلنة، بعد أن كان التعاون يتم بعيداً عن الأضواء، لأن بلدنا مستهدف بهذه الخطوة وما يخطط لها وراءه الأصابع الأمريكية التي تحرك كل هذه الدُّمى، ويقيننا أنه مهما كان الدعم الأمريكي لدولة الجنوب، فإن البندقية لا تقاتل.. يقاتل من هو وراء البندقية كما يقول المثل الإنجليزي ..!