لا يخفى على مراقبٍ عادي ناهيك عن مسؤولي جهاز الأمن السوداني أنه ما من أحد يسعى لتنفيذ انقلابٍ جادا في ذلك ثم يحمل تفاصيل مخططه ذاك في حقيبة يده داخلا بها هكذا عبر مطار الخرطوم إلا إن كان يرمي من وراء ذلك لشيء آخر.. إن الذي لا شك فيه أن الذي وقع في يد جهاز الأمن من أوراق الشيخ السنوسي لا يمكن أن يكون بحال تخطيطا لانقلاب حقيقي، فالذين دبروا انقلاب الإنقاذ بكفاءة قليلة النظير لا يمكن أن يقعوا في مثل هذه الأخطاء الساذجة، والظاهر للعيان والمتماشي مع رغبة المؤتمر الشعبي في إشعال الثورة الشعبية التي يتمناها هو أن ذالك الحزب يريد قدح شرارات تصلح لإشعال نيران الثورة التي يتمناها، ولا أفضل من موجة اعتقالات تطال منسوبيه لا سيما الأسماء البارزة كالشيخ السنوسي أو كمال عمر ويا حبذا إن كان الشيخ بذاته هو أول المعتقلين. بل ولا يستبعد أن يكون حديث الصادق المهدي عن أن الشيخ الترابي قد استشاره في عمل انقلاب؛ لا يستبعد أن يكون موقفا مفتعلا لإقناع جهاز الأمن أن أوراق السنوسي هي تخطيط لانقلاب حقيقي. مما يدفع بجهاز الأمن للاندفاع في موجة اعتقالات واسعة لمنسوبي الشعبي. ولعل المؤتمر الشعبي أصيب بالإحباط من جهتين، أولاهما أن قائمة المعتقلين لم تأخذ الاتساع المطلوب وظلت محصورة في الشيخ السنوسي ولم تضم أي اسم لامع آخر. كما لا بد أن الإحباط يتولد من قلة اكتراث الشارع السوداني لمثل هذه الأحداث ربما لأن هذا الشعب الحصيف يرى صراع الشعبي والوطني شأنا داخليا يخص البيت الإسلامي الذي نخر السوس عظمه ونفذ إلي عصبه الحي. لقد اعتبر الأخ الناجي عبد الله (رد الله غربته) أن الاعتقال شرف يهرب منه المهدي كما جاء في صحف الأمس. فلا عجب إذن في أن الحزب بات يسعى عبر تدابير مختلفة إلى أن يحظى منسوبيه بهذا الشرف ويتوجوا مناضلين، ولكن الحزب يلقى عنتا في سبيل توفير فرص الاعتقال الشرفي لقادته وناشطيه وذلك لزهد السلطة في ممارسة «فضيلة» اعتقال الشعبيين إلا في أضيق نطاق، مما يؤكد أن الجهات الأمنية فاطنة ومنتبهة إلى أن اعتقال الشعبيين هدف من أهدافهم إذ يظهرهم بمظهر المقاتلين المناضلين ويضع الحكومة في زاوية الاتهام ويثير ضدها منظمات حقوق الإنسان المتفرغة أصلا لحقوق الإنسان السوداني (طوبى لنا ولا عزاء لإنسان فلسطين وأفغانستان وجنوب السودان). إنني وكما يفترض الحال أطالب بإطلاق سراح الشيخ السنوسي وكل معتقلي حزب المؤتمر الشعبي، وثقوا أن المؤتمر الشعبي ليس لديه الصبر اللازم لتحريك الثورة الشعبية، فما أذكره تماما أن قادة هذا الحزب أتوا بثورة الإنقاذ حين فشلوا في إثارة الشارع فيما سموه «ثورة القرآن» التي قادها علي الحاج، والتي كان مخططا لها أن تنطلق من المساجد عقب صلاة التراويح في آخر رمضان قبل الإنقاذ. وأذكر أن الشيخ يس عمر الإمام خاطبنا في اجتماع طلابي ناقش ضعف التحرك، وكان يحضنا على ضرورة الاجتهاد في اشعال التظاهرات، وأذكر أنه كان متوترا وبدا محبطا كذلك وأذكر أنه قال لنا بغضب: «لا تضطرونا إلى التصرف بطريقة أخرى» يعني إن لم تشتعل الثورة المطلوبة! وبعد زمن ليس بكثير على ذلك اللقاء تصرف القادة بطريقة أخرى وجاءوا بالإنقاذ. وبالرغم من قناعتي التامة بضرورة ذلك الانقلاب في ذلك الوقت بالذات، الوقت الذي كانت فيه قوات تمرد الجنوب تتقدم بخطى واسعة نحو اجتياح الشمال، وبالرغم من اعتقادي الجازم أن اللإنقاذ قد أنقذت السودان في ذلك الوقت من مصير مظلم بدا واضحا لكل ذي عينين؛ فإن ذلك لا يمنع من القول بأن قيادات الحركة الإسلامية أظهرت قلة الصبر واستعجلت النتائج، وهي السمة الملازمة للقادة الذين يرغبون دائما في قطف ثمار غرسهم بأنفسهم وليسو على استعداد لأن يرعوا ذلك الغرس في صبر وتجرد وهم يعلمون أن أعمارهم لن تسعفهم لجني ثماره، إن الذين يفعلون ذلك هم الربانيين أمثال حسن البنا الذين يرجون الثواب في الآخرة وليس في الدنيا، أما أولئك فيفضلون قطف الثمار نيئة، أو ناضجة كيميائيا على انتظار نضجها حسب دورة الطبيعة وتوقيت القدر، ولذلك فهم دائما يقطفون الثمار المرة والسامة. خلاصة الأمر أن الشعبي يخطط، وسيظل يخطط لأمرٍ ما، بعونٍ ما، وبلا خطوط حمراء من أي نوع، ولكن الأكيد أن أوراق الشيخ السنوسي ليست جزءا من ذلك المخطط.