(معاريف) في اللغة العبرية تعني (صلاة المساء). ولم يكن يخطر ببال الكثيرين عندما دمّر الجيش السوداني خليل إبراهيم في صحراء كردفان، أن (بيت البكا) سيكون في تل أبيب. ونقلت صحيفة (معاريف) الإسرائيلية هذا الأسبوع، أن مراسم عزاء قد أقيمت في تل أبيب بمناسبة مقتل الدكتور خليل إبراهيم. كما أفادت الصحيفة نقلاً عن مصادر في الحكومة الإسرائيلية أن حكومة تل أبيب بعد الإعلان عن مصرع خليل إبراهيم تقوم باتصالات مكثفة ل (تعميد) عبد الواحد محمد نور زعيماً للحركات المسلحة الدارفورية وتوحيدها تحت قيادته. وذلك فصل جديد أخير متطوِّر في علاقة إسرائيل ب (عبد الواحد). وفي أساطير الغرام العربي وتراث الحب العربي القديم وقصصه الخالدة عرف الناس (قيس وليلى) و (جميل وبثينة) و ( كثيّر وعزة). أما الحب العربي المعاصر فقد عرف قصة (عبد الواحد وإسرائيل). عندما يغني الفنان السعودي عبد المجيد عبد الله: «الله أكبر. .. غرام... يشعل بحبّك فؤادي... مين يشبهك يا ملاك... مين يشبهك يا ودادي... إنت بشر غير عادي... فيك الجمال العجيب... رهيب والله رهيب» عندما يردد عبد المجيد عبد الله تلك الكلمات يتمايل عبد الواحد محمد نور وبذهنه صورة الحبيبة إسرائيل. حتى في ذروة مجازر إسرائيل وإبادتها الجماعية، مثل مجازر غزة، كان عبد الواحد يطلّ من الفضائيات يعلن عن غرامه بدولة الصهاينة دولة الإرهاب والاحتلال والدماء والمذابح والجرائم ضد الإنسانية. وفي إطار ذلك العشق وفي إحدى حلقاته، وصل عبد الواحد مساء الخميس 21/ مارس 2009م إلى مطار (بن غوريون) في إسرائيل، قادماً من باريس على متن الخطوط الجوية الفرنسية. وكان في استقباله في المطار رئيس المخابرات المركزية والمهمات الخاصة. ونزل عبد الواحد ضيفاً بفندق (دان). واجتمع عبد الواحد لمدة (6) ساعات مع رئيس الموساد (مائير داجان) لتلقى الدرس الأول في خصوصية قدرات إسرائيل الاستخبارية. حيث تعدَّد ضرب الأمثلة التي أشارت إلى اختطاف مخابرات الموساد القيادي الألماني النازي (إيخمان) من الأرجنتين وإعدامه في بداية الستينيات، ومحاولة اختطاف الزعيم الفلسطيني جورج حبش، عند اعتراض المقاتلات الإسرائيلية طائرة سورية كانت تقل القيادي عبد الله الأحمر، وتصفية الزعيم المغربي المهدي بن بركة، ومحاولة اغتيال خالد مشعل في العاصمة الأردنية، واغتيال فتحي الشقاقي في مالطة، واغتيال قيادات فلسطينية أخرى وعلماء ذرَّة مصريين وعراقيين وإيرانيين. وفي ذلك الاجتماع برئيس (الموساد) قال عبد الواحد: يجب الربط بين مذابح هتلر النازية و(مذابح) دارفور. وشدَّد عبد الواحد على أن السودان عدو لإسرائيل مثلما أنه عدو لحركته. على خلفية زيارات عبد الواحد المتعددة لإسرائيل، واعتماداً على مصادره المطلعة، نشر معهد الدفاع والسلم في بروكسلبلجيكا في تقريره السنوي، أن إسرائيل قد استقبلت عشرات من قادة الحركات المسلحة الدارفورية، وأنها قامت بتدريب وتسليح حركاتهم. يذكر أن وزير الخارجية الفرنسي السابق كوشنير (يهودي فرنسي) الذي يُعتبر الأب الروحي وراعي عبد الواحد محمد نور قد لعب دوراً مركزياً في ربط عبد الواحد بإسرائيل. وتجدر الإشارة إلى أن (كوشنير) له صلة وثيقة بتحالف دارفور الصهيوني الأمريكي. لكن عبد الواحد في الحساب النهائي، لن ينتهي زعيماً في الخرطوم، بل لاجئاً في تل أبيب. وحبّ عبد الواحد لإسرائيل وولاؤه لها لن يجعل مصيره يختلف عن مصير (كبَّده). يشار إلى أنه عند سقوط الرئيس الإثيوبي (منقستو هايلي ماريام) وهروبه إلى مزرعة في (زيمبابوي) حيث يقيم منذئذٍ، هرب بدوره مستشاره وشقيقه لأمه (كبَّده) وركب طائرة وغادر مباشرة إلى تل أبيب. وكان (كبَّده) قد درس في الجامعة العبرية. وغادر (منقستو) إلى (هراري) وغادر (كبَّده) إلى تل أبيب لاجئاً.. كذلك سيزور عبد الواحد إسرائيل عشرات الزيارات. إحدى تلك الزيارات ستكون الأخيرة. وستكون زيارة عبد الواحد الأخيرة إلى إسرائيل تدشيناً لإقامته بها لاجئاً أبدياً. هذا إن لم يلق مصرعه مثل عبد الله أبكر أو خليل إبراهيم (الشهيد) الذي وافى سوء الخاتمة على يد الجيش السوداني ولقي مصرعه في الصحراء، بينما كان (مهاجراً) من (دار الكُفر) في شمال السودان إلى (دار الإسلام) في جنوب السودان، ليعد العدّة ل (الجهاد) ضد (دار الكُفر) في الشمال. وكان في نظر (الشهيد) أن (جمهورية جنوب السودان) هى وطن الشريعة. نقلت صحيفة (معاريف) أن إسرائيل أقامت صيوان عزاء في تل أبيب للدكتور خليل إبراهيم. وهذه فعالية في إطار برامج إسرائيل الدارفورية. هل تلك الفعالية الإسرائيلية الباكية هي النسخة الصهيونية من (صلاة الغائب). إسرائيل تنشط في دارفور كما نشطت في جنوب السودان، تسليحاً وتمويلاً واستخبارات. كما نشطت في شمال السودان. لماذا لا نقلِّب صفحات الكتاب الكبير الخطير، كتاب علاقات إسرائيل بالسِّياسيِّين السودانيِّين، شمالاً وجنوباً وغرباً؟