قبل نحوٍ من (6) أعوام كان إثنان من مسئولي الموساد في زىّ دبلوماسي رشيق, غامق بعض الشيء إجتهدا في أن يجعلانه (زيّاً دبلوماسياَ) يليق بمسئولين في سفارة إسرائيل لدي بريطانيا, يلتقيان إثنان من القادة الميدانين بحركة خليل, في شارع مكتظ بالمارّة وسط لندن حتى لا يلفت اللقاء النظر ولا يثير الريبة. اللقاء وقتها كان بغرض (توثيق) عملية دعم مالي, كان بعض خبراء الموساد قد نصحوا بها حتى يمكن التقرير بشأن ما إذا كانت حركة خليل قابلة للتدجين والاستخدام المطلوب بعدما كانت حركة عبد الواحد قد نضجت وصارت (جاهزة) للقطاف. القادة الميدانين بحركة خليل - ولم يعد من داعٍ للإشارة إليهما بصراحة هنا - كانا ينتظران اللقاء بشغف ولهذا فقد أُسقط في يديهما حين جري اللقاء عادياً تخّللته الابتسامات الناعمة وإن لم تخلُ من تقطيبات من النادر أن تختفي عن ملامح رجال الموساد مهما تخفوا وراء أيِّ صفة, وكانت الخيبة هي المفاجأة الثانية الصادمة حين اكتشف القائدين أن المال المبذول لم يكن يستحق كل ذلك العناء! ولكن كان عزاءهما وعزاء خليل فيما بعد أن (أول الغيث قطرة) ووقتها كانت الحركة تقدِّر لنفسها أنها (مجرد أيام وأسابيع) وتطيح بسلطة المؤتمر الوطني - كما كانت تصفها و(تتحلَّل) من الدعم الإسرائيلي! كانت هذه المقدمة الموجزة جداً ضرورية للغاية لفهم واستيعاب (العزاء) الذي أقيم في تل أبيب مؤخراً حزناً علي خليل إبراهيم, إذ لو لم تسمح به السلطات الإسرائيلية - حسبما أشارت صحيفة (معاريف) - لما تسنّى لأحد أن يقيمه ولو لم تكن لإسرائيل (حسابات سياسية خاصة) بهذا الصدد لما جَرُؤَ اللذين وقفوا يتلقون العزاء علي فعل ذلك. لقد كان الموساد الإسرائيلي في الواقع يسابق الزمن ويسارع لكشف (البنية السياسية التحتية) لحركة خليل في محاولة بدت بائسة للاحتفاظ بالقدر المتوفر من قادتها فقد كان رهان الموساد - طوال الأعوام الست الماضية - علي أن تظل حقيقة علاقته بحركة خليل (طيّ الكتمان) وكان أكثر ما يراهن عليه الموساد علم الكافة أن حركة خليل مرتبطة بالمؤتمر الشعبي بزعامة الترابي ذي الأيدلوجية الإسلامية وهو أمر كان باعثاً للارتياح بشدة لدي قادة الموساد كونه يجعل من (حقيقة علاقة حركة خليل بإسرائيل) حقيقة عصّية علي التصديق وقد تضاعفت براعة قادة الموساد حين أعلنوا عن علاقتهم بحركة عبد الواحد ودفعوها لفتح مكتب علماني في تل أبيب وشاع لدي الكافة أن عبد الواحد - وحده - دون سواه من الحركات الدارفورية المسلحة هو المرتبط بالكيان الإسرائيلي. وقد شاءت الأقدار وتصاريف الأمور أن يغيب خليل - خارج توقعات الموساد - قبل أن تكتمل خطة إلحاقه وضمَّه إلي المتمردين في دولة جنوب السودان وكانت بكل المقاييس فاجعة, إذ أن أجهزة المخابرات ومهما برعت في التخطيط فهي غير قادرة علي دفع الأقدار أو الحيلولة دون سيرها لمسيرتها, وكانت النتائج المفزعة التي ترتبت علي غياب خليل, أن قادة الحركة من بعده لن يكونوا بذات قدراته وأن الحركة متشرذمة ومتناحرة لا محالة, وربما تلاشت تماماً, أو دخلت في عراك هي وحدها الخاسرة فيه ؛ ولهذا كان من الضروري الكشف عن طبيعة العلاقة هذه لمحاصرة القادة المهمِّين الذين يراهن عليهم الموساد وقطع الطريق عليهم للإفلات, وتم ترك الأمر للصحف الإسرائيلية للقيام بمهمة الدعاية بما يُستفاد منه أن الموساد الإسرائيلي إنما يحاول عبثاً تعزية نفسه علي تبعثُر خططه وتناثر شظاياها في ود بنّدة وأطراف دارفور وكردفان, ويبدو أنه لا عزاء للموساد!