في سنوات الدراسة الابتدائية في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي، كنا نسرح بأحلامنا نحو السودان «النفطي»، وحينها كانت الزراعة بخيرها الوفير في القضارف والشمالية وغيرهما من الولايات، وعلى حسب ما كنا ندرسه في كتب الجغرافيا كنا نتوقع وكذلك أساتذتنا الأجلاء في تلك المرحلة، أن يشهد عام 2000 نهضة تنموية كبرى للسودان، وقال حينها أحد الزملاء مفرطاً في تفاؤله « عام إلفين سنلبس العقال ونركب السيارات»، ففي تلك السنوات كان طموح الكثير من الشباب الهجرة للمملكة العربية السعودية التي كانت تستقطب الكثير من الكوادر السودانية الماهرة لتعمير أرضها، فارتبط في أذهاننا ونحن صغار «لبس العقال بتوفر المال»، وما يهمنا هنا هو توقعنا بأن يشهد عام 2000م نهضة تنموية كبرى، فجاء هذا العام ومر خلفه اثنا عشر عاماً ومازلنا نبحث عن هذه التنمية التي يفتقر إليها أهلنا في الولايات، وكذلك الخرطوم التي تعتبر مركز الحكم في السودان، فمازال أهل الولايات يجلسون على الأرض في مدارسهم، ومازال المواطنون يقطعون المسافات الطوال بحثاً عن العلاج في «شفخانة» أكل الدهر عليها وشرب، ومازالت «فاطمة» «تنشل» الماء من بئر عميقة شوه حبلها يديها الجميلتين، ومازال صديقنا يبحث عن عمامة أنيقة يشارك بها في الأفراح والأتراح وليس عن «شماخ» رائع، فالضائقة المعيشية لم تترك مجالاً لشراء شيء سواء مستلزمات الأكل بعد جهد كبير. ومنذ عام 2000م فقط وليس قبلها والميزانيات تخرج للتنمية في كل ولاية وكل محلية، والمواطن لا يجد سوى السراب. وفي كل عام يخرج علينا الولاة ببرامج طموحة تملاأ الأجهزة الإعلامية، وان طبق الولاة هذه البرامج لجاء عام وكل السودان ينعم بخيرات التنمية. ولكن للأسف لا يطبق المسؤولون مما يقولونه سوى جزء يسير لا يلبي طموحات أهلنا في الولايات، وكذلك الخرطوم، فماذا يريد مواطنو القرى غير مركز صحي تتوفر فيه العلاجات؟ وماذا يريدون غير بئر مغطاة يشربون منها ماءً نقياً عبر «مواسير»؟ وماذا يريدون غير مدرسة تتوفر فيها «الكنب» فقط وليس كراسي وثيرة، يجلس عليها أبناؤهم لتلقي دروسهم، هذا ما يريده أهلنا في القرى البعيدة التي يبحث أهلها عن الخدمات.. فهل تجتهد حكومات الولايات في ذلك؟ أم يمضي عقد من الزمان ويظل أهلنا في القرى البعيدة «ينشلون» المياه من الآبار بالحبل.