درجت وسائل الإعلام مؤخرًا على الحديث عن زيادة أسعار مدخلات الطباعة بصورة مخيفة، وربما كانت هذه الزيادة تختلف عن زيادة أسعار السلع الاستهلاكية الأخرى سيما أننا نعلم أن الأخيرة يمكن أن يجد المستهلك لها بديلاً أو ربما قاطعها لفترة مثل مقاطعته للحوم التي استحوذت على الرأي العام المحلي آنذاك، لكن هل يُجدي وجود بديل للكتاب أو قد تفيد مقاطعته نهائياً وما هو حجم الضرر الذي يترتب على ذلك.. معلوم أن معدل القراءة قد تضاءل في السودان بدرجة كبيرة جعلت المهتمين يرفعون حاجب الدهشة، وهذا التراجع أرجعه متابعون إلى عدة أسباب من بينها الظروف المعيشية القاسية التي يعيشها المواطن والتي يصعب معها اقتناء كتاب في ظل ارتفاع أسعاره، ونجد القلة القليلة هي التي تجاهد من أجل القراءة في الظروف نفسها؛ إذن كيف يكون الحال وأسعار مدخلات الطباعة تشهد ارتفاعاً جنونياً يطرد صنَّاع الكتاب أولاً وقبل القارئ عن ممارسة صناعته، هو ناقوس خطر مُرتقب يعمل على هدم العلم والمعرفة تدريجياً ومن ثم نهضة البلاد التي بدأت بفضل العلم والمعرفة، «نجوع» طرق هذا الباب على أمل أن يجد وجيعاً فماذا كان؟ يتحملها القارئ.. أكد الدكتور علي صالح أن ارتفاع أسعار مدخلات الطباعة يؤثر سلباً وبطريقة غير مباشرة على القارئ والشخص المطّلع وحتى الجهة المنتجة للكتاب، وأن القارئ هو الذي يتحمّل التكلفة في ظل مرور الكتاب بمراحل صناعته إلى أن يصل إلى مرحلة الطباعة والتوزيع، وأضاف أنه في ظل تحديات الكتاب يفضل القارئ الذهاب إلى الوسيلة الإلكترونية سيما وأن العالم اليوم تسوده التقنية وأن تدهور أسعار الكتاب ربما قاد إلى الانحياز إلى الكتاب الإلكتروني، وقال علي إن الجيل القديم لا يزال يحبذ الكتاب أكثر من التقنية وذكر مقولة لأوربيين «نحن مازلنا نحس بأن الكتاب التقليدي لديه مكانه». ورد دكتور علي على سؤالنا حول إمكان الاستغناء عن الكتاب ووجود بديل له قائلاً: إن الكتاب لا يُحارب باعتبار أن التقنية هي البديل لأن الكتاب ثروة كبيرة لا يمكن الاستغناء عنها، وإنما يمكن اللجوء للطبعة الشعبية ذات المدخلات الأقلّ تكلفة، وختم بأننا ما زلنا نعاني من إشكالات الكتاب، والأمر يحتاج لوضع خطط تراعي التدرج والظروف المعيشية حتى يتمكّن القارئ من اقتناء الكتب بشكل مريح ولا يتأتّى ذلك إلا إذا انخفضت أسعار مدخلات الطباعة. كتاب الجيب.. إبراهيم إسحق الكاتب والقاص أوضح في إفادته ل «نجوع» الآتي: «هنالك تجارب سبقتنا في إعداد الكتاب ربما بمئات السنين، ولعلنا نحسن إذا ما راعيناها.. تجربة الكتاب الرخيص في أوربا لها اكثر من مائة عام، وهي قد ساعدت في انتشار كتب كثيرة جماهيرياً، خاصة كتب الإثارة والخيال بنوعيه العلمي والواقعي، بل ربما نجد بعض الكتب الرصينة أيضاً دخلت في هذا المجال، والذي يسمى أحياناً ب «كتاب الجيب». إذا كانت المطبوعة ذات قيمة فريدة أو إثارية سياسية، فغالباً ما نجدها تصدر في طبعتها الأولى في غلاف مقوّى وساتر.. هذه الطبعة ذات قيمة استثنائية لأن المشترين يعتبرون هذه الطبعة الأولى ذات قيمة مميَّزة ويدفعون في ذلك ثمناً مقدراً.. أما الطبعات التالية فتصدر في حجم صغير وبورق رخيص وغلاف ورقي.. نستطيع أن ننهج على نفس المستوى، لكن ذلك يشترط علينا أولاً أن نوطِّن صناعة الكتاب داخل بلدنا.. وقد قيل كلامٌ كثيرٌ حول هجرة الكفاءات القادرة على إنتاج الكتاب، وتوقف المطابع وما إلى ذلك بسبب الضرائب الموضوعة على مدخلات صناعة الكتاب وما يترتب على ذلك من رفع أسعار الكتب.. نستطيع أن نقول إن الواجب الأول إذا ما اهتمت الدولة بمساعدة الثقافة في هذا المجال هو أن ترفع كل الضرائب على مدخلات صناعة الكتاب كما وعد بذلك من قبل منذ أكثر من أربعة أعوام رئيس الدولة.. الخطوة التالية هي أن يشجع الولاة على رفع كل الضرائب عن مطابع في مرحلة بدايات إحياء نشاطها.. نتمنى أن يؤدي ذلك إلى تشجيع الطابعين على إعطاء الناشرين صورة جيدة عن إمكانات توطين الطباعة محلياً.. هنالك دائماً أكثر من قارئ مستهدَف. فهنالك قراء يستطيعون مالياً أن يقتنوا كتباً بغلاف سميك وأسعار غالية ونستطيع أن نجعل طبعة الجيب الرخيصة هذه توجد في المعرض بجانب تلك النسخة الغالية فنستهدف بالطبعة الرخيصة من يستطع اقتناءها لأن له رغبة في القراءة.. لا نستطيع أن ننكر أن وسائل بث المعلومات إلكترونياً أدركنا في صناعة الكتاب وقلل مِن مَن يشترون الكتاب. ومع ذلك الشعب هم عدة طوائف: فهنالك من يفضل أن يرقد على فراشه ويقرأ، وهنالك من يذهب إلى الحديقة ويريد أن يقرأ، وهنالك المسافر ويريد أن يقرأ.. وهؤلاء يفضلون الصفحة على الشاشة، قراؤنا لا يتجاوزون المليون من نيف وثلاثين مليوناً. وهؤلاء يكفوننا كقُرّاء إذا ما وطّنّا صناعة الكتاب وراعينا هذه السياسات.