التصعيد الدرامي من جانب جمهورية جنوب السودان والذي تمثل في قرارها القاضي بإيقاف تصدير نفطها عبر الأراضي السودانية، هوقرار متسرع وغير مدروس اتخذته حكومة الحركة الشعبية مدفوعة بدوافع غير منطقية وغير موضوعية وأقرب ما تكون إلى الحماقة، وهوقرار مبني على عدد من الأوهام لعل أبرزها ما صرح به دينق ألور الذي قال إن بلاده تمتلك احتياطيًا نقدياً يكفيها لمدة خمسة أعوام!، ثم ما جاء على لسان وزير النفط الجنوبي الذي أعلن أن بلاده بدأت خطوات عملية من أجل بناء خط أنابيب عبر شرق إفريقيا لتصدير إنتاجها النفطي وإن هذا المشروع سيكتمل بناؤه خلال «10» أشهر فقط!، والخبراء يقولون إن إنشاء هذا الخط إذا كانت هناك أصلاً جدوى لإنشائه سيستغرق في أحسن الفروض ما بين عامين إلى ثلاثة أعوام.. حكومة السودان اعترفت بأن الخطوة الجنوبية ستترتب عليها أضرار على الدولتين وإن كانت أشارت إلى أن الضرر الأكبر سيقع على دولة جنوب السودان، وهذه حقيقة واضحة ستكون بمثابة الصخرة التي ستتكسر عليها حماقة باقان وزمرته وتجعلهم «يبلعون» قرارهم هذا ويتراجعون عنه سريعاً، وأعتقد أن القرار في حقيقته «تكتيكي» ومجرد مناورة سياسية للضغط على السودان لحمله على التنازل في قضايا أخرى لأن الإصرار عليه يعتبر من قبيل هدّ المعبد على الجميع، وفي رأيي أنه لا سبيل أمام جوبا للخروج من هذا المأزق إلا في استمرار الجلوس إلى طاولة المفاوضات ومواصلة الحوار بجدية وبمسؤولية، وبالنسبة للسودان يعتبر هذا الملف في غاية الأهمية والحيوية ويمكن للسودان استثمار علاقاته الإقليمية وشراكاته مع الصين من أجل الوصول إلى حل مرضٍ لكل الأطراف. وضع غريب غداً تطفئ مصر الشمعة الأولى لذكرى ثورة 25 يناير، والشارع المصري يتوجس خيفة من وقوع اضطرابات بسبب الخلافات العميقة التي دبّت في أوساط قطاعات الثورة المختلفة حول العديد من القضايا حيث تتعارض وجهات النظر حول ترتيب الأولويات الوطنية للثورة، حيث ترى بعض القوى السياسية أن خط سير الثورة لا يؤدي إلى تحقيق أهدافها وغاياتها، ومنها ما لا يثق في المجلس العسكري ولا في «الإخوان» من بعدهم وهؤلاء تلمح في شعاراتهم التي يرفعونها التلويح بضرورة إحداث ثورة تصحيحية، لذلك فهم حريصون جداً على الإبقاء على وميض نار الثورة تحت رمادها في ميدان التحرير والمحافظة على درجة حرارة مرتفعة فيه قدر الإمكان ويتصدر هذا الاتجاه ما يسمى ب « مؤتمر الشعب يستمر في ثورته»، وقد قام هذا الكيان برفع مطالبه وتوصياته إلى البرلمان المصري ذي الأغلبية الإسلامية في أولى جلساته الإجرائية أمس الاثنين، ويرى قادة هذا الكيان أن شرعية البرلمان لا تتناقض مع الشرعية الثورية المتمثلة في ميدان التحرير . وهو إدعاء غريب لا يجد سندًا شرعياً أوحتى منطقياً يستند إليه، فكأن ميدان التحرير برلمان شعبي أعلى يراقب عمل البرلمان المنتخب من قبل الشعب ويمارس عليه سلطة شعبية مباشرة وبهذا الفهم يمارس الشعب المصري دوره مرتين مرة في انتخابه لنوابه ومرة أخرى في الضغط عليهم لفرض الأمر الواقع من ساحة ميدان التحرير لتصبح القاعدة أن من يسبق ويسيطر على ميدان التحرير يسيطر على توجيه بوصلة البرلمان في الاتجاه الذي يريده، وهو وضع غريب بكل المقاييس ويتعارض مع مبدأ «النيابة» وينسف فكرة التفويض الممنوح لنواب البرلمان من قبل الشعب ! . إنها الآثار الجانبية الضارة للثورة المصرية نرجو ألا تتفاقم وتزداد لتصير مرضاً مزمناً يقعد بمصر عن دورها الإسلامي والعربي المرجو منها. غزية! شدني الحوار الثر الذي أجراه الزميل «شبارقة» بصحيفة الرأي العام مع القيادي الإسلامي المخضرم والمعروف الأستاذ أحمد عبد الرحمن وهو من القلائل الذين اشتهروا بصراحتهم وجرأتهم في قول الحق وتوجيه النقد والبوح بالمسكوت عنه من القضايا والمسائل التي تتعلق بمسيرة الحركة الإسلامية، وقد وضع الكثير من النقاط على الحروف وسلط الضوء على عدد من أوجه العمل التنظيمي والسياسي، فعرّف بعضه وأعرض عن بعض، وشعرت بالإعجاب لكثير مما قال .. ولكن ما لم يثر إعجابي وما لم أستطع «هضمه» مما قال بل شعرت وكأنه قد نسف ومسخ تلك الجوانب المشرقة في شخصيته التي عركتها الخبرة الطويلة والكسب الكبير الذي حصّله طوال مسيرته مع الحركة الإسلامية، فقد كان الحديث عن سياسة التمكين التي كانت واحدة من إستراتيجيات تجربة الحركة الإسلامية في الحكم والتي أعقبت وأورثت التجربة قدراً من البؤس والخراب لا يمكن الاستهانة به أو إنكاره، ومرد ذلك لم يكن في الحقيقة لجوهر الفكرة نفسها ففكرة التمكين من الناحية النظرية مطلوبة وملحة بل هي بدهية وطبيعية، ولكن الأخطاء نتجت من تطبيق الفكرة وفي ممارستها وفي توقيتها وكيفيتها وكثير من الأوجاع التي تعاني منها التجربة في الوقت الراهن تجد أسبابها في تلك السياسة التي كانت سِمتها الارتجال وافتقدت إلى الرشد فكانت في أحيان كثيرة تستأجر القوي غير الأمين، وأحياناً أخرى الأمين غير القوي، أما القوي الأمين فقد كان زاهداً في بهرج السلطة وبريقها الذي أخذ بأبصار الكثيرين فراح يطلب الشهادة في سوح الجهاد حتى لقيها راضياً مرضياً.. ما أثار دهشتي واستغرابي فيما قاله الشيخ أحمد عبد الرحمن عن سياسة التمكين هوأنه - كما ذكر - كان ينتقد سياسة التمكين «من بدري جداً» ولكنه قال إنه في النهاية «مع الجماعة»، واستشهد وليته لم يفعل ببيت «دُريد بن الصُمّة» الذي يقول فيه: وإنما أنا من غزيّة فإن هموا غووا غويت وإن ترشد غزيّة أرشد وبهذا الاستشهاد أفرغ أستاذنا «نقده المستمر» لسياسة التمكين من معناه تماماً فما فائدة هذا النقد إذن إن كان في نهاية المطاف يساير «غزيّة» في غوايتها، وهو بيت مذموم مبنىً ومعنىً من ديننا الحنيف الذي يدعو إلى توطين النفس وإتباع الحق وينهي عن أن يقول المرء أنا مع الناس إن أحسن الناس أحسنت وإن أساءوا أسأت ..