هم قبيلة مهنية موجودة في كل قرى السودان التي على النيل، كما تجد أن رواويس كل مديرية أو ولاية يعرفون بعضهم ويتبادلون الخبرات والمنافع.. الآن بدأت هذه الحرفة في الانكماش، حيث جاءت البنطونات فألغت المراكب، وجاءت الكباري فألغت البنطونات، وستأتي القيامة فتترك ما على الأرض صعيداً جرذاً. وهؤلاء القوم أهل علم ودراية بالبحر وخوافيه، كما أنهم يتعرضون لكثير من المخاطر، إلا أنهم يتعاملون معها ببرود نسبة لأنها أصبحت من طبيعة عملهم، فمثلاً إذا هاجم أحدهم تمساح عشاري ذو غضاريف ونهش رطلاً من لحم فخذه اعتبروا ذلك إصابة عمل، ولا يحتاج الأمر إلى جلبة وضوضاء ومقابلة اختصاصي تجميل لرقع المنطقة المحفورة.. بمناسبة الاصابات دي في فرنسا يعتبرون تحرش الرجل بزميلته اصابة عمل ولا أدري جزاء ذلك.. الرواويس يسكنون على ضفاف النيل ويعملون في النيل، وقد تذكرت قول العلامة عبد الله الطيب عندما سُئل عن المناصير قال: هم قوم يسكنون منطقة الشلال الرابع ولهم باع طويل في البأس والنجدة، إلا أن مشيهم سريع وغناءهم سريع، وحتى النيل في بلادهم سريع. وأضاف آخرون أنهم لا يستخدمون سنارات لصيد السمك لأنه يأتيهم مندفعاً من فوق تلك الجنادل، فلا وقت لديه للنظر إلى سنارة أو فوائد ما بعد الخدمة.. للفائدة التاريخية يجب أن نعرف أن المناصير هم الذين أوقفوا الوابور الذي كان ذاهباً إلى مصر لطلب نجدة لغردون عام 1884 م، وذبحوا ما به من خواجات، ثم قاموا بفك الشفرة التي يستخدمها غردون وأرسلوها للإمام المهدي، فأفاد منها كثيراً وحلّ ألغاز مكاتبات العجم بالبلاد. الفراغ الجغرافي العريض على امتداد النيل ينعكس مثله أو عدل ذلك في نفوس الرواويس، فيملأونه بأحد أنواع الفنون، وغالباً ما يكون حداءً أو غناءً، لذا تجدهم عندنا في الشمال من أمهر عازفي الطمبور، كما أنهم أصحاب حناجر نديَّة مبللة برذاذ الماء. ومن أشهر أغانيهم التي تروقني: يا مجودة حليل أمبكول مرَّة نكسح ومرات نجر وفي كريمة نطب العصر ونشرب الجبنة مع التمر وفي أغنية أخرى شائعة يهجو أحدهم شخصاً سرق منه فيقول: شكيتو علي الله ود أحمد جبارة قطع محفضتي بمصروفا شالا ولا عوضني مليم السيجارة وكان يمدون أصواتهم فتحملها الريح إلى الضفتين فينتشي السامع إنساناًَ كان أم حيواناً.. الرواويس قدموا خدمات جليلة لكل فئات المجتمع طلاباً وتجاراً ومزارعين، فهم يعبرون بكل هؤلاء إلى ضفتي النيل، وأذكر أنهم كانوا لا يأخذون مليماً من أي طالب علم، كما أنهم لا يطلبون مبلغاً بعينه من الكبار، فما تعطيه لهم يأخذونه دون النظر اليه ثم يقولون «كان ناقصة عفينا ليك وكان زايدة أعفي لينا»، وهذه عبارة جميلة لا يقولها إلا كريم.