جاء في كتب التاريخ أن العالم أفاق ذات يوم ولم يجد الاتحاد السوفيتي. لقد اختفى كأنه فص ملح وذاب وسط مياه السياسة وبحرها الهائج. ومنذ ذلك اليوم والناس حائرون لا يدرون كيف حدث ذلك، ولأن التاريخ لا يقف لكي يملي سطوره مرة أخرى للذين لا يجيدون الكتابة الاختزالية السريعة، فنحن نقول للذين فاتتهم فصول تلك المسرحية، إن ما حدث يمكن روايته بأوجه مختلفة، ولكن الرواية المعتمدة لدينا بعد مقارنة روايات كثيرة تقول إنه في اجتماع مشترك للجنة الحزب الشيوعي «البوليتبيرو» والبرلمان السوفيتي، وقف الرئيس يومذاك ميخائيل جورباتشوف ليلقي خطاباً افتتحه قائلاً: أيها الرفاق، هذا رئيس اتحاد الجمهوريات السوفيتية الاشتراكية يخاطبكم. وهنا قاطعه أحد الرفاق قائلاً: - كومريد ميخائيل.. ليس هناك اتحاد.. ألا ترى إننا لم نعد اتحاداً كما كانت الحال في زمن كومريد بريجنيف؟ ويصفق الاعضاء استحساناً لهذه النقطة الجوهرية ويوافق جورباتشوف قائلاً: - صحيح ...لقد فاتت علي هذه النقطة...«ودائماً تفوت عليه نقاط هو لا يدركها إلا بعد فوات الأوان» نحن الآن بلا اتحاد. إذن هذا رئيس الجمهوريات السوفيتية الاشتراكية يخاطبكم. ويرتفع صوت من الصفوف الخلفية: - ولكن يا كومريد ميخائيل...ليست هناك جمهوريات.. أين هي هذه الجمهوريات إننا لا نراها. - ووسط استحسان الجميع يوافق جورباتشوف على هذه النقطة قائلاً: - نقطة وجيهة من كومريد الياكشن... صحيح لا توجد جمهوريات.. إذن فهذا رئيس السوفيتيات الاشتراكية يخاطبكم. وينبري عضو من وفد أكرانيا صائحاً - كومريد ميخائيل.. نحن اكرانيون وهؤلاء آذربيجانيون... وهؤلاء من قرقزيا وهؤلاء من جورجيا.. ليس هناك سوفيت. ويصفق الوفد الاكراني بحرارة وتتلوه بقية الوفود وكل منهم يتحسس هويته الجديدة.. بينما يوافق جورباتشوف بحرارة أيضاً. إن قصة السوفيت هذه لا بد أن تكون نكتة قديمة، ومسألة أكل عليها الدهر وشرب الفودكا ويرفع يده طالباً الهدوء وهو يعلن: - لقد فاتت عليَّ هذه النقطة.. صحيح أين السوفيت هنا؟ لا يوجد أحد اسمه السوفيت....اذن فهذا رئيس الاشتراكية يخاطبكم: وترتفع أصوات أعضاء البرلمان بالضحك عالياً، فاذا كانت كلمة السوفيت نكتة مضحكة فإن كلمة الاشتراكية هي أم جميع النكات المضحكة في العالم.. إنها ربما تؤدى إلى الموت من شدة الضحك. ويوافق جورباتشوف على هذه النكتة.. آسف أقصد النقطة الجوهرية وهو يقول: - صحيح.. إن كل نضالنا من أجل الإصلاحات هو أن نمسح هذه الكلمة المضحكة من قاموسنا.. ويواصل جورباتشوف حديثه قائلاً: - إذن هذا رئيسكم يخاطبكم. وطيلة هذا الوقت ظل كومريد بوريس يلتسن صامتاً في انتظار هذه اللحظة التاريخية، وهنا وقف ليقاطع جورباتشوف قائلاً: - ولكن كومريد ميخائيل...اسمح لي أن أقول إنك لم تعد رئيسنا.. فليس هناك شيء ترأسه.. ويصاب ميخائيل جورباتشوف بوجوم تاريخي ثم يصيح متسائلاً: - ولكن كومريد بوريس.. من هو رئيسكم إذن؟ - ويرد بوريس يلتسن بهدوء قائلاً: - أنا يا كومريد ميخائيل. ويدون التاريخ إنه في تلك الجلسة التاريخية اختفى من الوجود شيء اسمه اتحاد الجمهوريات السوفيتية الاشتراكية.. واختفى معه رجل اسمه ميخائيل جورباتشوف.. وظهر رجل اسمه بورليس يلتسن... عانى كثيراً نفس التساؤلات من ذلك البرلمان العجيب. ولكن التاريخ يروي أيضاً تصادف يوم 31 ديسمبر من هذا العام مع الذكرى الحادية عشرة لخروج يلتسن لصقيع أشد عنفاً من صقيع جورباتشوف. فقد قدم يلتسين استقالته وتسلم حينها فلاديمير بوتين مهام السلطة بصفته قائماً بأعمال الرئيس. آخر الكلام: دل على وعيك البيئي.. لا تقطع شجرة ولا تقبل ولا تشتر ولا تهد هدية مصنوعة من جلد النمر أو التمساح أو الورل أو الأصلة أو سن الفيل، وليكن شعارك الحياة لنا ولسوانا. ولكي تحافظ على تلك الحياة الغالية لا تتكلم في الموبايل وأنت تقود السيَّارة أو تعبر الشارع.