كانت العملية التي نفذتها القوات المسلحة ضد قوات حركة العدل والمساواة يوم 25/12/2010م، عملية مهنية وفنية ومعقدة بكل المقاييس. جعلت المتابعين والمحللين العسكريين في الداخل والخارج يقفون في حالة انتباه «مدهش» و«مدوش» و«فالق». وذلك حسب النظارة الموضوعة على العين التي ترى. فعين الرضا مندهشة ومصدقة وغير مصدقة للذي رأت وجرى. وعين السخط أصابها الدوار و«داش الرأس» وأحست بأن الرأس أصبح «فلقتين» من الذي جرى والذي بعده. والرسالة التي قصدت إرسالها للقائد العام للقوات المسلحة «تمام سعادتك»، نحن جاهزون بيان بالعمل وليس «طابور».. ورسالة أخرى للشعب السوداني والأصدقاء، نحن جاهزون لحماية الأرض والعرض. ورسالة للأعداء مختصرة في كلمة واحدة «عدنا». كانت العملية من الدقة والتخطيط والتنفيذ، مما جعل الكثيرين من المحللين العسكريين يضعون مجموعة من السيناريوهات لنجاح هذه العملية، لم يصب أيٌّ منها الحقيقة. السيناريو الأول أن من قام بتنفيذ هذه العملية هو جهة خارجية بل دولة عظمى، وذلك اعتماداً على عامل أساس هو أن تحديد مكان خليل وإصابته بهذه الدقة لابد أن تكون قد قامت به دولة تملك قدراً كافياً من خلال السيطرة على الفضاء ومعرفة بنظم «الستالايت»، وتحديد الأهداف المتحركة «Movable object»، وامتلاك قدر من الأقمار الصناعية، بالإضافة لامتلاك نظام تحكم دقيق إلكتروني يحدد الهدف بدقة ويصيبه بدقة، وهذا لا يتسنى إلا لدولة عظمى وتحديداً الولاياتالمتحدة. وذهب السيناريو إلى مدى بعيد من التعامل الأمني بين حكومة السودان والولاياتالمتحدة الذي بدأ منذ العام 1998م. وسيناريو آخر يذهب في نفس اتجاه هذا السيناريو، ولكنه يستبعد التعامل المباشر بين حكومة السودان والولاياتالمتحدة، ولكنه يعتقد أن هنالك دولة صديقة للطرفين لعبت دور الوسيط بين الولاياتالمتحدة والسودان، وهذه الدولة هي قطر، وفحوى السيناريو أن الاستخبارات الأمريكية تابعت هذه العملية وملّكت المعلومات لقطر وقامت قطر بدورها بتمرير المعلومات للسودان. ويدعم هذا السيناريو العلاقة المتوترة بين حركة العدل والمساواة وخاصة قائدها خليل مع أمير قطر. وسيناريو آخر يذهب إلى أنه على الرغم من أن السودان محروم من خدمات «Google Life» إلا أنه استطاع أن يخترق هذا الحظر الأمريكي عن طريق التعامل مع دولة أخرى صديقة، ربما قطر أو ربما استطاع أن ينشئ مكتبًا له في المدن المفتوحة كدبي مثلاً. ويذهب سيناريو آخر إلى أن معظم سكان دارفور أصبحوا ضد الحرب، ومنهم من له مرارات وثأر مع حركة خليل، لذلك كانوا مصدر معلومات الاستخبارات والأجهزة الأمنية، وكانوا يمدونهم بتحركات حركة خليل أولاً بأول. بل يذهب هذا السيناريو لأبعد من ذلك، ويعتقد أن من أفراد حركة خليل باعتباره من أهل دارفور ومتأثراً بما تم في دارفور، كان مصدراً للمعلومات الدقيقة التي مكّنت الطيران السوداني من إصابة العربات التي كانت تقل خليل بدقة. كل هذه السيناريوهات، وعلى الرغم من ما بها من نقاط القوة، إلا أنها لا تصمد كثيراً من خلال نقاط الضعف التي تحتويها وبُنيت عليها. والحقيقة غير ذلك تماماً، وأن العمل كان عملاً خالصاً دقيقاً قامت به القوات المسلحة عبر خطة دقيقة ومحكمة بدأت في العام 2005، وكان حصادها ونتاجها وختامها في العام 2011م، وكان دليل نجاحها هذا البيان بالعمل الذي رفع تمامه السيد وزير الدفاع سعادة الفريق أول ركن مهندس عبد الرحيم محمد حسين مساء وفجر يوم 25/12/2011م للقائد العام والشعب السوداني. ولذلك قصة عمل وصبر ونجاح طويلة. عندما جاءت الإنقاذ في العام 1989م، كانت القوات المسلحة من ناحية الإعداد والعتاد قد بدأت في الصعود إلى الهاويات، وفي ذلك المسير قطعت درجات بعيدة. ولم يبق من القوات المسلحة إلا عزة في صدور رجالها عبّرت عنها برقية العقيد محجوب للقيادة «خنادقنا مقابرنا». وكان الهم الأول للإنقاذ التي أتت من رحم القوات المسلحة الودود الولود، إعادتها إلى سيرتها الأولى». 1898، وفي كرري 1898 كذلك. لم يكن توقيع نيفاشا للقوات المسلحة 2005 استراحة محارب، ولكن كان الشعار «فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَب». فنظر القائد العام إلى جيشه راضياً عنه، ولكنه أدرك بعقلية القائد ما أصاب جيشه من نقص في الأنفس والثمرات والعتاد. نظر بقلب وعقل المؤمن «وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ». فكان اللواء الركن مهندس عبد الرحيم محمد حسين، وصدر فورمان التعيين وبدأ مباشرة المهام في 23 سبتمبر 2005م. فهم الرجل الرسالة وأدرك المهمة الصعبة، ولم يضيِّع زمنناً، فكانت الترتيبات الأولية لوضع خطة لتطوير القوات المسلحة من خلال التشاور مع هيئة القيادة وكافة القادة والخبراء العسكريين، فكانت خطة تطوير القوات المسلحة ذات المدى الزمني 2005 2011م. وكانت أهداف الخطة بناء قوات مسلحة قادرة ذات كفاءة ومهنية. بناء قوات مسلحة ذات حجم أصغر وقدرات نيران عالية متمكِّنة من المناورة والحركة والانتشار السريع «الذراع الطويل»، وذلك لخلق الفرد المؤمن بالله وبوطنه، ذي التدريب العالي والقدرة على استيعاب آليات ومعدات القتال الحديثة والمتطورة وإيجاد المعدة الحديثة المتطورة التي تواكب التطلعات وتطورات العصر في حدود إمكانات البلاد. وتحسين بيئة العمل داخل القوات المسلحة، بحيث تصبح بيئة صالحة ومحفزة للعمل، وقيام بنية تحتية تظاهر التطور المنشود لبناء فرد مقاتل محترف. لذلك حُدّدت أهداف الخطة بدقة، وجاءت محاورها أربعة، الفرد والمعدة والبيئة والبنية التحتية. ثم كان مشروع إعادة الهيكلة للقوات المسلحة والتي شملت ثمانية محاور كذلك من بينها إعادة تنظيم وزارة الدفاع وإنشاء هيئة قيادة الأركان المشتركة. وكان الفرد «ضابطاً أو جندياً» المحور الأساس، فكانت الإنجازات في مجال قواعد التعليم والتدريب والتأهيل. فقامت الجامعة العسكرية، وكانت الكلية الحربية إحدى كلياتها، ثم كلية الدراسات البحرية، وكلية علوم الطيران، وكلية التقنية وغيرها من الكليات. هذا إلى جانب برامج التجسير في الجامعات المفتوحة للضابط والجنود. وبرامج التعليم فوق الجامعي، وبرامج خدمة المجتمع من خلال كلية تنمية الموارد البشرية في التخصصات المهنية والحرفية من خلال مراكز ومعاهد التدريب العسكري. ولإكمال تجويد التدريب والتأهيل تم توفير معينات التدريب المهني والقتالي والفني بهدف الوصول بالفرد المقاتل لأقصى درجات الكفاءة القتالية، فتم توفير الدواري الإلكترونية للأهداف الثابتة والمتحركة، ومشبهات التعليم للأسلحة الخفيفة والدورة الإلكترونية لرماية الدبابات وإنشاء معامل الحاسوب واجهزة G.P.S والتدريب عليها وفق الخطة. وأكمل هذا بمعسكرات التدريب في كافة أنحاء السودان لكافة أفرع القوات المسلحة. صحب هذا التدريب الخارجي حسب ما تحتاج إليه القوات المسلحة، وما تتيحه إمكانات السودان المادية. وأكمل برنامج تأهيل وتدريب الفرد بمشروعات التدريب الإستراتيجي التعبوي». ولإكمال منظومة إعداد الفرد «ضابط وجندي» كان صندوق التكافل العسكري والخدمات الطبية التي غطّت مستشفياتها كافة المناطق العسكرية، واستهدافها حتى المدنيين، ثم برامج تعليم أبناء أفراد القوات المسلحة، ثم كان برنامج تخفيف أعباء المعيشة، وذلك بتوفير السلع المدعومة بمعدل مرة كل ثلاثة أشهر مصحوباً ببرامج الدعم الاجتماعي وبرامج العربات الوظيفية. وكان لابد من إكمال المنظومة التي محورها الفرد تهيئة بيئة العمل فكان إنشاء القيادة العامة لتشمل مباني وزارة الدفاع وهيئة الأركان المشتركة وقيادة القوات البرية والجوية والدفاع الجوي والبحرية. ثم إنشاء وإعادة تأهيل رئاسة الفرق وعنابر الإيواء وصالات الطعام، وتأهيل شبكات المياه والصهاريج وميزات الضباط والجنود، وأندية الضباط وأندية الجنود ورئاسات الكتائب ومسلتزماتها ورئاسة الألوية في كافة المناطق العسكرية في كافة أنحاء السودان.. ولأن الخطة كانت متكاملة لإعداد الفرد فكذلك كانت الخطة لإعداد المعدة المتطورة عالية الكفاءة تتناسب مع التأهيل والتدريب الذي تم، كانت برامج ومشروعات توطين السلاح تحسباً لكيد الأعداء فتم إنتاج كافة الذخائر من احتياجات أسلحة القوات المسلحة كتب عليها «Made In Sudan» هذا فضلاً عن إنتاج السلاح فكان بعض منها مدفع عبود، ومدفع نمر، ومدفع النجومي، ومدفع المهدي، ومدفع أحمد، ومدفع الخليفة، ومدفع أبو فاطمة، ومدفع ختم، والدبابة الزبير «1» والدبابة الزبير «2» والمدرعة ختم ناقلة وقتالية، والمدرعة أمير، ثم الطائرة الصافات. هذا غير الذي ... هذه كانت عبقرية الخطة من حيث العمل المتزامن «Consecutive والرسالة الثالثة للأعداء «عدنا».