وحين ألهم الله أحد الولاة أن يقول الحق، اتهموهُ بأنهُ (فقد رُشده)!! وهذه التهمة «الجاهزة» بفقدان الرشد، وب «سوء الأدب» وبفقدان الأهلية، تهمةٌ قديمة قدم التاريخ، كان أول المتهمين بها ذلك الطفل الذي عبَّر عن دهشته قائلاً: (انظروا.. ملكنا عريان!!!).. بل ربما قبل تلك الحادثة، فقد كان إخوانُ لوطٍ يتهمونهُ بفقدان الرشد أيضاً، ويدعونَ إلى نفيه وآل بيته: (أخرجُوا آل لُوطٍ من قريتكم إنهم أُناسٌ يتطهَّرُون).. ولكن ما يُدهشُني أن إخواناً لنا من الصحافيين، يعرفُون أن كل ما قالهُ الأخ والي ولاية القضارف إن لم يكُن حقاً خالصاً فهو «خبرٌ» يحتملُ الفحص.. وتصديقُ الخبر أو تكذيبُهُ حال سماعِهِ، ودُون ابتلاءٍ وفحصٍ واستيثاقٍ وتحقيق، لا يعدُو أن يكُون مجرد «هرجلة»!! ما يُدهِشُني هو إسراع إخواننا الأعزاءِ أولئك إلى الهرجلة واتهام والي القضارف بأنهُ فقد رشده!!. لقد سعيتُ إلى الإخوة بمكتب إعلام ولاية القضارف لأرى هذا الذي قالهُ السيد والي ولاية القضارف فأقام عليه الدنيا، فحصلتُ على تسجيلٍ صوتي لخطاب الرجل، فما رأيتُ فيه والله ما يستحقُّ كُلَّ هذه الهجمة الشعواء، ألأنّهُ انتقد سلوك الحكومة الاتحادية ووزارة ماليتها تجاه ولايته؟؟ ألأنَّهُ تساءل: لماذا يُغدقُ وزير المالية على جميع ولايات السودان في الوقت الذي يحرمُ ولاية القضارف من استحقاقها؟.. ألأن الرجُل قال ما يقولُهُ كل الحكماء في هذا البلد: إن حكومة «الموازنات الجهوية والطائفية والقبلية» لن تكون إلا وبالاً على السودان!!؟؟.. (لم أصادف في خطاب الرجل ما زعمهُ الأخ الطاهر ساتي من أن الوالي قال: «سألجأ إلى المحكمة الدولية»!! فالرجُل تحدَّث عن المحكمة الدستورية، ومن حق أيِّ سوداني دعك من والٍ أن يلجأ إلى المحكمة الدستورية إن هُضم حقه..!! لا شك أن الطاهر ساتي أراد بمسألة «المحكمة الدولية» التي اختلقها هذه، فقط، أن يُشبع نزوعهُ إلى السخرية من الرجل الذي شهد له هُو نفسه الطاهر ساتي بأنهُ أحد أنظف وأنزه وأخلص وأصدق من تولوا ولاية في هذا السودان!!.. تعال أيها القارئ لنطالع مقتطفاتٍ من خطاب الأخ والي ولاية القضارف وبالتحديد المقتطفات التي أثارت عليه الرياح: (ما عملناه من تنمية كان نتيجة لضغط المصروفات وتقشف الحكومة في مخصصات منسوبيها وهي الحكومة الوحيدة التي التزمت بالمنشور الرئاسي لشاغلي المناصب الدستورية وتطبيقه حرفيًا).. لو كان لدى الصديقين النور أحمد النور، والطاهر ساتي والكومبارس المرافق لهما، ما يُثبت أن ما زعمهُ كرم الله هنا غير صحيح فسوف أعتذرُ لهُما عن استهجاني ما كتباه.. (قدمنا تجربة ناجحة في الحكم حقَّ لأهل القضارف أن يفخروا بها والدليل على ذلك تقرير المراجع العام حيث خلت حسابات الولاية لأول مرة من أي اعتداء على المال العام في موازنة العام 2011م).. لو صدق ما قالهُ الأخ الوالي في هذا الشأن وما أراهُ إلا صادقاً فهي مفخرةٌ يستقلُّ بها دون كل الولاة. (طيلة الفترة الماضية لم تُعطَ ولاية القضارف ولا مليمًا واحدًا في التنمية بشقيها، وقدمنا المشروعات في التنمية المخصصة وتابعنا التنفيذ ولم يُنفَّذ شيء ولكنها وعود كثيرة ذهبت سرابًا وطالبنا باستحقاق الولاية في أوامر دفع سابقة بلغت جملتها 19.2 مليون جنيه!! بينما سددت جميع أوامر الدفع للولايات في 30/10/2010م إلا ولاية القضارف، وحينها كان دكتور عوض أحمد الجاز وزيرًا للمالية وتقدمنا بالمذاكرات التفصيلية للمشروعات التي نفذت بهذا الخصوص وكذلك تقدمنا بمذكرة لوكيل المالية الأسبق الذي صدق بالسداد وجاء وزير المالية الحالي فأوقف الإجراء ثم جاء الوكيل السابق دكتور مصطفى حولي وطالبناه بتنفيذ تصديقات الوكيل السابق إلا أنه أوضح أنها أوقفت من قبل الوزير الحالي الأستاذ علي محمود!! قمت بمقابلة الوزير فقال إنهم بصدد مراجعة أوامر الدفع، وانتظرنا طويلاً، ثم فوجئنا أخيرًا عبر مدير الإدارة العامة للموازنة الأستاذة الشام بأنهم لم يرصدوا هذه المستحقات التي قامت الولاية بسدادها، وأعادتنا مرة أخرى إلى الإدارة العامة للتنمية، حيث قابلنا نائب المدير الذي أكد أنه سيرسل لجنة للمراجعة والتأكد، وإلى يومنا هذا لم يصل الوفد المنتظر).. أليس من حق الرجُل، بعد هذا، أن يتساءل عن الحكمة الرابضة وراء هذا التسويف؟ أليس من حقه أن يرتاب في أن هناك من يسعى بكل ما أوتي من قوة ونفوذ إلى «إفشاله» كوالٍ جاء بإرادة جماهير الولاية وببرنامجه الخاص الشفاف والواضح في مواجهة الفساد؟.. (في اجتماعات ولاة الولايات التي عُقدت بالخرطوم مؤخرًا اكتشفت أن الولايات كلها أُعطيت أكثر من حقها، بل إن الوزير علي محمود قال لصحيفة (الوطن) الغراء في أحد أعدادها ردًا على تصريحات والي جنوب دارفور السابق دكتور عبد الحميد موسى كاشا إنه دفع لولاية جنوب دارفور 78 مليار جنيه تنمية ولائية، ولولاية شمال دارفور 87 مليار جنيه ولولاية غرب دارفور 66 مليار جنيه!!). الآن.. قولوا لنا أيُّها السادة: ما هي الجهوية؟.. التحية للأخ والي ولاية القضارف الذي لم ألتقِ به ولا أعرفه والله ولكن صدق خطابه وشجاعته في الطعن في الفيل، يجعلني أسأل اللّه أن يجعل جميع ولاة السودان نسخاً منه..