تحتفل القوات المسلحة اليوم بالذكرى السابعة والخمسين لاستلام أول قائد عام لقيادة القوات المسلحة السودانية تمهيداً لاستقلال البلاد وكان ذلك في الرابع عشر من أغسطس عام 1954م أي قبل «ستة عشر» 16 شهراً تقريباً من إعلان الاستقلال. في ذلك اليوم تقلد الفريق أحمد محمد مهام القائد العام للقوات المسلحة السودانية كأول قائد سوداني ينصب لقيادتها.. وهكذا أصبح هذا اليوم يطلق عليه بين صفوف القوات المسلحة عيد الجيش وهي ذكرى حبيبة إلى النفس يعتز بها قادة القوات المسلحة وأفرادها ويشاركهم المواطنون فرحتهم خاصة عندما يجري الاحتفال خارج العاصمة.. ترجع بي الذاكرة لأول احتفال للقوات المسحلة خارج العاصمة وكان ذلك عام 1984م في الأبيض الذي كلفت به قيادة الهجانة مع فرع الإدارة والتوجيه المعنوي وفرع الرياضة العسكرية والشؤون العامة ولقد كان رائعاً في تنظيمه وفي مناشطه وكان باختصار مظاهرة عسكرية تكاملت فيها روح الإبداع وجمال الإخراج وحلاوة الطقس وتميز الحضور الذي جاء من الخرطوم في صباح يوم الاحتفال على رأسهم القائد الأعلى للقوات المسلحة وكل القادة وقادة الأفرع وجميع من تولى منصب القائد العام أو رئيس الأركان أو وزير الدفاع الذين على قيد الحياة أو من يمثلهم وجميع قادة الهجانة منذ الاستقلال.. وكان أروع من كل ذلك أهل الأبيض أهل الكرم والوفاء للقوات المسلحة وكيف كانت وقفتهم مع قيادة الهجانة تلك الأيام وكيف أعدوا بيوتهم وصوالينهم للضيوف كأنما يحتفلون بعيد الفطر. فالتحية للهجانة والتحية لأهل الأبيض الذين أحببتهم في الله وأشعر بحبهم ووفائهم دائماً. الاحتفال هذا العام يختلف عن الاحتفالات السابقة خاصة بعد انفصال الجنوب وقيام دولته المستقلة في حدود 1956م. الاحتفال بعيد القوات المسلحة اليوم سيسجل في صفحات التاريخ بأنه الاحتفال الأول بتلك الذكرى في ظل الوضع الجديد بعد انفصال الجنوب حيث أصبحت القوات المسلحة منفتحة في حدود دولتها دولة الشمال. لا شك أن لجميع قادة وأفراد القوات المسلحة الذين هم في الخدمة اليوم وكذلك قدامى المحاربين الذين كانوا في صفوفها بعد الاستقلال وقبله، لاشك أن لهم ذكريات كثيرة عاشوها وعاصروها وهم يعملون في الجنوب الذي أصبح اليوم دولة قائمة بذاتها.. وإذا نظرنا فقط للفترة منذ استلام أول قائد إلى تاريخ توقيع اتفاقية نيفاشا التي خرجت بموجبها القوات المسلحة من الجنوب وانقطعت صلتها السيادية والقيادية به نجد كمًا هائلاً من الأحداث العظام وقعت، فكم من حروب جرت وكم من شهيد سقط وكم من جرحى سالت دماؤهم وكم من أشلاء فُقدت. إن الفترة من تاريخ مذبحة توريت التي وقعت في 18 أغسطس من العام 1955م حتى تاريخ توقيع اتفاقية نيفاشا عاشتها القوات المسلحة في حالة حرب مستمرة ومقاومة لحرب عصابات متواصلة ضد العناصر الجنوبية التي لم يتوقف نشاطها وتآمرها والإصرار على بقاء حالة عدم الاستقرار الدائم في الجنوب واستنزاف متواصل لقدرات الوطن ورهق وعنت تتحمله القوات المسلحة في محاولة لاستتباب الأمن وتحقيق الاستقرار والسلام الشيء الذي لم يكن في حسابات الطرف الآخر. إن ما تحملته القوات المسلحة طوال تاريخها منذ ما قبل الاستقلال حتى تاريخ يومنا هذا وهي تحتفل بذكرى عيدها في وضع جديد لأمر عظيم لم تستطع دول عظمى أن تتحمل ما تحملته في مقاومة حرب العصابات التي تواصل أمدها ولا يستطيع أي مواطن أن ينكر جهد القوات المسلحة الذي بذلته إلا أن يكون مكابراً. إن ما يتمناه كل مواطن في شمال السودان بعد انفصال الجنوب أن تكون العلاقات بين الدولتين علاقات قائمة على الاستقرار والسلام، علاقات قائمة على تبادل المنافع والتعاون في كل المجالات، علاقات قائمة على نبذ الحرب والقتال كأسلوب لتحقيق المصالح أو تنفيذًا لأجندة خارجية.. إن من عاش مرارة الحرب وقسوتها وآلامها وأحزانها لاشك أنه يعرف قيمة السلام والاستقرار والأمن. الشيء المؤسف أن إخوتنا في الجنوب لم يدركوا تلك المعاني ونرى أنهم يسيرون في طريق الفتن وإثارة الكراهية بين الشمال والجنوب وخاصة بين القوات المسلحة في الدولتين.. إن استعدادات الحركة الشعبية للاحتفال بذكرى مذبحة توريت بعد 4 أيام من الاحتفال بذكرى عيد القوات المسلحة أي في يوم الخميس 18 أغسطس الجاري كيوم عيد لقواتهم المسلحة بالرغم من ما جرى في ذلك اليوم دليل على روح العداوة التي في نفوسهم وهذا ما سيجعل أهل الضحايا في توريت أن يقيموا الاحتفالات تأبيناً لذكرى شهدائهم.. ولقد جاء الحديث عن احتفال الحركة الشعبية بتمرد توريت الذي أقيم العام الماضي فوق مقابر الشهداء في توريت جاء محزناً وفاجعاً لأهل ضحايا مذبحة توريت. أخي القارئ الكريم تعال معي نشارك ونحيّي قواتنا المسلحة قيادة وقادة وأفرادًا وهي تحتفل بذكرى استلام أول قائد عام للجيش من المستعمر ونشاركهم بداية عهد جديد طُويت بموجبه صفحة دموية حزينة كانوا هم ضحاياها.. ونسأل الله أن يجعل وطننا أمناً وسلاماً واستقرارًا. ونرجو من القيادة الحرص على الخروج بالاحتفال إلى الولايات ففي ذلك منافع كثيرة للوحدات ومعانٍ كبيرة للمواطنين.. وكل عام وقواتنا المسلحة بخير.