لم يعد المتسولون في السودان كما كنا نعرفهم، يطلبون الإحسان والصدقات في الشارع العام والمساجد والمستشفيات، كما أنهم صاروا «أفندية من الدرجة الأولى» بحكم مستوى دخلهم الكبير الذي يتراوح لأضعف الفئات منهم بين «2000» و «2.500» جنيه في الشهر، بل تعددت وسائل التسول واختلفت وامتزجت مع الاحتيال والغش الماكر والساذج، مستغلين في ذلك العطف الكبير الذي يتميز به السوداني.. «الإنتباهة» رصدت هذه الظاهرة بمفهومها الجديد، وتحصلت على معلومات خطيرة ومذهلة ووضعتها بعد ذلك أمام القائمين على أمر مكافحة الظواهر السالبة بشرطة أمن المجتمع.. فمعاً نطالع القضية كما رصدناها ومن ثم نستمع لافادات شرطة أمن المجتمع. استغلال الأطفال نواصل ما بدأناه الاسبوع الماضي من حديث تبقى حول هذا الملف، ونتطرق لدراسة الدكتور حسين عبد الرحمن سليمان حول البعد القانوني والجنائي لظاهرة التسول. ويقول في مبحث كامل حول التسول ومفهوم الاتجار بالبشر، إن وضعية الأطفال في التسول تطرح إشكالية التعريف بصورة حادة، إذ يختلط التسول بوصفه عملاً استغلالياً محطاً «غير التجاري» مع أشكال التسول المتصلة بجريمة الاتجار بالأطفال، ويعرَّف الاتجار بالبشر وفقاً لما جاء في البروتكول الدولي لمكافحة الاتجار بالبشر، بأنه تجنيد أشخاص أو نقلهم أو تنقيلهم أو إيواؤهم أو استقبالهم بواسطة التهديد بالقوة أو استعمالها، أو غير ذلك من اشكال القسر أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع أو إساءة استعمال السلطة أو إساءة استغلال حالات استضعاف، أو إعطاء أو تلقي مبالغ مالية أو مزايا لنيل موافقة شخص له سيطرة على شخص آخر لغرض الاستغلال. ويشمل الاستغلال في الحد الأدنى استغلال دعارة الغير أو سائر أشكال الاستغلال الجنسي أو السخرة أو الخدمة قسراً، أو الاسترقاق أو الممارسات الشبيهة بالرق، أو الاستعباد أو نزع الأعضاء. استئجار الرضع وتكشف معلومات الشرطة أن الأطفال الذين يتسولون في الطرقات وغيرها يطلق عليهم «المتسولون»، بالرغم من وجود اختلافات جوهرية بينهم، إذ أن هناك أطفالاً يقوم أفراد أسرهم بتسفيرهم أو نقلهم داخلياً مُصطحبين أو غير مصطحبين من قبل شخص بالغ من الاسرة لاستغلالهم في التسول بصورة يومية ومنتظمة وطوال اليوم. كما أثبتت معلومات الدراسة أن هناك بنات في سن الطفولة الصغيرة أو في سن المراهقة «فتيات» يتسولن في الشوارع العامة، ويعملن في مهن هامشية تؤدي بهن إلى الانحراف، ليصبح التسول هنا غطاءً لممارسات أخرى تدر على المتاجرين بالطفلة «أحيانا الوالدين أو أفراد الأسرة» دخلاً كبيراً. ويستخدم بعض المتسولين أطفالاً رضعاً «أقل من عام أحياناً»، حيث يتم استئجارهم من أسرهم بواسطة أشخاص آخرين بغرض استخدامهم أدوات مصاحبة ومساعدة، ليقوم هؤلاء الأشخاص بالتسول، كما يتم استئجار أطفال معاقين يتم جلبهم من الخارج عبر الحدود. خطورة تسول الأطفال: تزداد الجريمة جرماً في التسول إن تمت بالصغار والرضع، خاصة إن كانوا مشوهين خلقياً أو مرضى، باعتبار ذلك نوعاً من التأثير على الناس والتلاعب بمشاعرهم، فمن الذي لا يرق قلبه لطفل مريض معاق، ونجد بعض محترفي التسول يقومون بتأجير بعض الأطفال من أهاليهم للتسول بهم في المناسبات الدينية الكبيرة، أما الحالة الجنائية بالخرطوم فقد أكدت أن المتسولين يتعرضون للاعتداء الجنائي والتهديد باستخدام القوة الجنائية وإكراههم على السرقة ويتعرضون للاغتصاب، وجميعها تؤدي الى العديد من المشكلات الأمنية والجنائية والاجتماعية، وبسبب هذه الاعتداءات يحتاج المتسولون إلى تأمين أنفسهم اثناء ممارسة التسول، لذا نجدهم يعملون في شكل جماعات تضامنية مع بعضهم البعض لتوفير الحماية اللازمة، خاصة للأطفال المرافقين الذين ليست لهم القدرة على حماية أنفسهم.