تماماً مثلما أغلقت الشركات الأميركية شيفرون وغيرها آبار النفط عام 1984 بالخرصانة المسلحة.. نكاية في السودان المسلم الذي أعلن تطبيق الشريعة الإسلامية عام 1983 باعتبار أن هذا النفط يجب أن يبقى تحت الأرض لصالح الأجيال الأمريكية القادمة فكان الإغلاق هذه المرة جاء بيد الحركة الشعبية التي تدّعي أنها تمثل أبناء الجنوب وأنها تعمل على صيانة حقوقهم وحمايتها.. في المقابل سوف تعتمد الحركة الحاكمة على المعونات الأمريكية والمنح والقروض لكي تسير أعمالها حتى لا يستفيد السودان الجمهورية الذي لوى يد أمريكا وخرج عن طوعها واستخرج النفط الذي تريد أمريكا أن يبقى احتياطياً لمستقبل أجيال أمريكية قادمة.. لأن عائدات هذا النفط لا يستحقه أهله سواء أكانوا في الجنوب أو الشمال.. هذا ما قالوه عبر دراساتهم وتسريباتهم التي أكدت أن السودان كله يقوم على بحيرة من البترول وكانت صورة الغلاف في مجلة النيوزويك الأمريكية تحمل صورة كاملة لذلك عام 1973، وأكدت الكشوفات بعد ذلك صحة هذا الأمر... إذًا أغلاق دولة جنوب السودان لآبار النفط وتدفقاته هكذا دون التفاتة للوساطة الإفريقية ودون أي حسابات لانعكاسات هذا العمل على اقتصادها أو تأثيراته على الشعب الذي تطحنه المجاعات والحروب القبلية.. وانعدام البنيات التحتية التي دمرها التمرد طوال سنوات الحرب.. هو استجابة عمياء لتعليمات السادة في امريكا واسرائيل.. وليس نتيجة لمبالغة الوفد السوداني في تقديراته وليس لأي سبب آخر. بالرغم من أن الأمر يتصل بحياة إخواننا السوريين وثورتهم ورغبتهم في تحقيق التحول الديمقراطي وتغيير نظام الحزب الواحد شأنهم في ذلك شأن كل الشعوب العربية والإسلامية في المنطقة فإنني شعرت بفرحة غامرة عندما استخدمت روسيا والصين حق النقض في مشروع القرار العربي أمام مجلس الأمن الدولي في وجه أمريكا وفرنسا وبريطانيا، وألحقتا بالدول الامبريالية الصهيونية المساندة لإسرائيل والمناهضة لكل ما هو عربي وإسلامي.. فهي هزيمة وصفعة لأمريكا وإسرائيل.. وبريطانيا المتآمرة وفرنسا التابعة وهلم جرا.. فإنا أرى أن تحل القضية داخلياً أو عربياً أو إسلامياً دون اللجوء إلى الدول الغربية التي كانت سبباً أساسياً في وجود أنظمة دكتاتورية في المنطقة العربية.. فهي التي تبنتها وهي التي تقوم الآن بزعزعة استقرارها في مقابل استقرار دولة زرعت في قلب الأمة العربية بالقوة وتخالف القوانين الدولية وكل ماله صلة بالأمن والاستقرار في المنطقة العربية.. فلتذق تلك الدول الغربية اللئيمة طعم الهزيمة المُر ولتقف عند حدودها ولا تتدخل في الشأن العربي.. ويكفي ما حدث من دمار وخراب وإهانة لحقوق الإنسان وانتهاك لكل القوانين والأعراف الإنسانية في أبو غريب ونهب لثروات العراق ذلك القطر الذي يعيش حالة عدم الاستقرار والأمن حتى اليوم نتيجة ما زرعته أمريكا من بؤر للفتن وتفتيت لوحدة العراق حتى اليوم. ولا ينبغي لنا أن نتباكى على النفط الذي خرج بإغلاق الآبار فقد أغلقت من قبل فزادنا ذلك عزيمة وقوة وأعاننا الله عز وجل أن نستخرج ما يكفي استهلاكنا من الوقود وما يمكن أن يدعم ميزانياتنا في مقبل الأيام من بترول الشمال.. ولندع تلك العصابة تواجه مصيرها المحتوم مع أهل الجنوب الذين سيثورون عليها ويعيدون الجنوب كله من شبح الاستعباد والإبادة الجماعية على أيدي القوات التي تم تدريبها في اسرائيل على كل أساليب الأغتيالات الانتقائية أو الجماعية.. والتي سوف يكتمل وصولها مع نهاية شهر مارس كما حرصت بذلك بعض وسائل الإعلام الصهيونية ووصفتهم بأنهم مواطنون من دولة جنوب السودان بينما هم في الأصل فرق للموت أُخذوا إلى هناك وجرى تدريبهم وتأهيلهم ليكونوا السواعد التي ستعمل على تسهيل عمليات نهب موارد دولة الجنوب لصالح اميركا واسرائيل بصورة منظمة وسرية. عموماً يجب علينا كسودانيين نؤمن بأن دولتنا واحدة من الدول التي حباها الله بالثروة المائية حيث تتوفر المياه في السماء.. وفي الأنهار.. وفي باطن الأرض.. وبقليل من الجهود يمكن أن نوفر لأنفسنا ولغيرنا كل الحاجة من المواد الغذائية نباتية كانت أم حيوانية.. وفي بلادنا تتوفر المعادن وفي مقدمتها الذهب.. ولذا فإنها تشتهر منذ آلاف السنين بأنها بلاد «النوبة» أو النوبيين وهي مأخوذة من الكلمة النوبية «نوب أو نوبري» وتعنى الذهب.. ولهذه الثروات كانت بلادنا قبلة للغزاة والفاتحين والطامعين منذ القدم.. نحن لسنا بحاجة إلى نفط الجنوب الذي أغلقوه ولسنا بحاجة لصياح باقان والمجموعة المحرضة المخدوعة الحاقدة علينا.. ولن نقف مكتوفي الأيدي في مواجهة أي حركة تستهدف أمننا واستقرارنا وحدودنا.. فأبيي شمالية لا جدال فيها وحولها وحدودنا في كردفان والنيل الأزرق معلومة.. ولم يبق بيننا وبين باقان سوى النيل فإن بمقدوره أن يغلق منابعه فليغلقه.. وإن بوسعه أن يحول مجراه فليفعل وإن كان بمقدوره أن يشربه فليشرب.. وبعد فعليه أن يرعى بي قيده ولا يحاول أن يتطاول علينا..