صور عديدة تراءت لكثير من الناس خلال مخاطبة الرئيس البشير اللقاء الثالث مع قيادات الخدمة المدنية الذي نظّمته وزارة مجلس الوزراء أمس، بحضور النائب الأول للرئيس والمساعدين والمستشارين والوزراء ووكلاء الوزارات ومديري الإدارات المختلفة، صور ليست من ماضي الخدمة المدنية البعيد، إنما محاولات الإنقاذ منذ مجيئها لإصلاح الخدمة العامة وتطويرها ومعالجة عللها العضال، ولطالما أُرجعت معضلة التخلف التنموي وضعف الأداء في دولاب الدولة للخدمة المدنية التي عانت الكثير من التدخلات السياسية كما قال الرئيس بالأمس إما ب«التطهير واجب وطني» كما حدث في بدايات سلطة مايو بعد الانقلاب في «1969م» أو بدعوى التمكين في عهد الإنقاذ.. لكن الخدمة المدنية مهما كانت ظلت صامدة رغم ما عراها من ترهُّل ووهن، لكنها لم تفقد كل عافيتها وظلت تقوم ببعض واجباتها في تجسيد تطلعات الشعب السوداني في التنمية والخدمات والإدارة وغيرها، وأول ما فعلته الإنقاذ في بداياتها السعي لتطوير وتثوير الخدمة العامة وبذلت جهودًا كبيرة وجبّارة في هذا الصدد، ربما يعود نوعٌ من الإشراق الموجود في بعض الإنجازات التي أشار إليها الرئيس في مشروعات البنى التحتية والزراعة والبترول والطرق إلى المصل الذي حقنته الإنقاذ في وريدها... تحدّث الرئيس بالأمس مشيداً بالخدمة العامة ودورها داعياً إلى بذل مزيد من العرق والجهد في سبيل إنفاذ تحقيق كل طموحات الدولة السودانية والنهضة الشاملة، منوهاً أن الدولة لديها دَين بتطوير وترقية الخدمة المدنية ففشلها أو نجاحها ينعكس على فشل ونجاح كل برامج وخطط الدولة التنموية.. وأهم ما قاله الرئيس إنه لا محسوبية ولا وساطة ولا تدخُّلات سياسية وحزبية في الخدمة المدنية، وستُرفّع لجنة الاختيار للخدمة العامة إلى مفوضية يكون المدخل للخدمة أو كل وظائفها على كل مستويات ومجالات العمل مفتوحة للجميع بالتنافس الحُر، حيث لا توجد أية اعتبارات أخرى تُسهم في تلويث الخدمة العامة وتشل قدرتها... حديث الرئيس بلا شك في لقائه مع قيادات الخدمة المدنية، صوّب نحو العلل الحقيقية، لكن لا خيار ولا بديل عن دعم وإيجاد البرامج والخطط لتأهيل الخدمة المدنية ورفع قدراتها والتصميم الخلاّق على ترقية الأداء المؤسسي وتنظيم واجبات مؤسسات الخدمة العامة وصنع الظروف والبيئة الملائمة لرفع كفاءة الأداء العام ومراجعة اللوائح والقوانين وتسهيل الإجراءات وحسن استخدام التقانة والتقنيات الحديثة في سرعة ودقة وتميُّز ما يتم من أشغال وأعمال وترشيد استخدامات الموارد وأهمها الموارد البشرية... ومن محاسن الفعل، وجود وزارة للعمل وأخرى لتنمية الموارد البشرية، فالمطلوب فقط... ترك هاتين الوزارتين تعملان بكفاءة عالية ودون عوائق، فذلك سيعطي ثماراً كثيرة في اتجاه الإصلاح الإداري وجعل جهاز الدولة التنفيذي يعمل بكفاءة ومسؤولية نحو الغايات الكبار... هناك الكثير من القوانين واللوائح تحتاج لمراجعة شاملة بما يتيح فرصًا أفضل للقيام بأعباء كثيرة ملقاة على عاتق الخدمة المدنية في كل المجالات، وهذه تحتاج من الدولة إلى سرعة التحرك وتوفر الإرادة الكاملة في قيادة تغيير حقيقي في البلاد دون الحاجة لمزيد من العناء في التفكير والمعالجات المؤقتة، ففرص البدء في مشروع الحكومة الإلكترونية وتعديل قوانين العمل وتفعيلها وتحديث أليات المراقبة والمحاسبة والتدريب والتأهيل وإتاحة الفرص لأفكار جديدة لتحسين الأداء وكبح التراجع الذي لازم خدمتنا المدنية طيلة عقود فائتة... يوجد تراث كبير وعريق وعريض في تاريخ الخدمة المدنية السودانية يمكن أن نبني عليه ونضيف، وهو تراث وتاريخ امتد لخارج البلاد وكان له إسهاماته في صناعة التطور والنهضة عند الأشقاء والأصدقاء حولنا لا بد لنا من استلهامه والبناء عليه حتى نصل للمرجو والمطلوب ...