الحكاية بدأت مع تحرك بص الوالي من الكلاكلة.. كان هناك طلاب على المقاعد، فما أن رأوا نساء وفتيات يقفن «شماعة» إلا ونهض أولئك الشباب للنساء وهذا هو الأمر الطبيعي، وكان كلما توقف البص وصعدت امرأة أو فتاة، قام لها شاب ودعاها للجلوس، وفي مقابل هذا المشهد النبيل الذي يعبّر عن النخوة وأخوان البنات، كانت هناك صورة مقلوبة تمامًا.. شاب أبيض اللون، ناعم الملمس من كثرة ما أغدق على جسمه من كريمات، منتفخ الأوداج، مسبسب شعر الرأس، يرتدي نظارة سميكة لم يكف عن مدغ اللبان ولو لثوانٍ، كانت تقف إلى جانبه امرأة متوسطة العمر وهو جالس على المقعد لم تحركه نخوة ولا رجالة ولم يستفزه فعل زملائه، في هذه الأثناء انتهره أحد الركاب ووبخه على موقفه، ولكنه لم يعره أي اهتمام بل ألقى عليه نظرة استخفاف من نوع خاص، وواصل في مدغ اللبانة، ردّ راكب آخر على صاحبه: ياخي سيبو يمكن عيان للناس أعذار.. لم يقتنع ورد على الفور: ياخي دا عامل زي الحصان، والله دا انصح مني ومنك، ما راجل بس وقلبو مافيهو رحمة.. المهم عندما كثرت الإساءة على الشاب رد قائلاً: «والله أنا شديد أصلو ما عيان وما بقوم من مقعدي وما في زول أحسن مني عشان أقوم ليهو وتفوه بإساءات أخر».. هذا الرد أغضب ركاب البص وأخذ كل واحد يلقي بزجرة أو إساءة أو شتيمة للطالب، لكنه والحق يقال كان صابرًا «محتسبًا»، وكأن الأمر لا يعنيه يعني تخَن جلدو للآخر.. أما المختصر المفيد الذي اختلطت فيه حكمة الشيوخ بسخرية الشباب فقد جاء في تعليق أحد الشيوخ مخاطبًا الركاب الثائرين: «الناس يا عيالي ما بتتساوى نوع دا في المجتمع لازم يكون في، ولو كان زي دا مافي ما بتلقو زول عشان يبقي ليكم «مسعول»..!! ضحك الناس كل الناس حتى الطالب نفسه، وسكت الغضب»..