برلين "رأي اليوم" فرح مرقه: يبدو الرئيس عمر البشير الذي يطالب الشارع برحيله ك "هاربٍ إلى الأمام"، حيث يزور قطر ويلتقي الأمير تميم بن حمد الأربعاء، وفق ما أعلنته وكالة الانباء القطرية، في وقتٍ يضاعف فيه القيود على الاعلام والمؤسسات الحقوقية لتخفيف وتيرة الانباء حول الاحتجاجات المندلعة في بلاده منذ أكثر من شهر مطالبة برحيله. نعم، انقضى شهرٌ ثقيلٌ على المحتجين في السودان دون أن يفتر زخم الاحتجاجات في معظم مدن "سلة غذاء العالم"، الذي اندلعت فيها الاحتجاجات -للمفارقة- بسبب تضاعف أسعار الخبز، الشارع السوداني يغلي، بينما تعتم السلطات السودانية على وسائل الاعلام والمؤسسات الحقوقية، بالتوازي مع استخدامها العنف المفرط، وفقاً للمؤسسات الحقوقية في تفريق محتجين سلميين. لماذا الدوحة؟ توجُّه البشير في هذه المرحلة للدوحة أثار الكثير من التساؤلات، حيث الرئيس السوداني وبالدرجة الأولى يخرج من بلاده في وقت يغلي فيه الشارع تحت شعار إسقاطه، ويختار الدوحة التي تحمل الكثير من الدلالات بحد ذاتها بما في ذلك استنجاده بجذوره القريبة من الاخوان المسلمين والذين جاء بدعمهم للسلطة قبل ان ينقلب عليهم، بالإضافة لكونها اليوم الدولة العربية الأقرب بعد سوريا إلى الإيرانيين، وقطر هي الدولة التي شكرها البشير علانية بالإضافة للكويت ومصر وروسيا والصين وتركيا كدول وقفت الى جانب الشعب السوداني. البشير غادر السودان ليومين في قطر، ثم هناك انباء عن زيارات أخرى لعواصم مختلفة، وعليه فهو إما شديد الاطمئنان لأن الجيش لن ينقلب عليه وعلى حكمه وطالباً مساعدة حلفائه، وهذا وارد، أو باحثاً عن ضمانات ومشورة تحميه من تبِعات خروجه المحتمل من السلطة خصوصاً وهو المدان بجرائم حرب عبر المحكمة الجنائية الدولية عن أحداث إقليم دارفور، بيان وكالة الانباء السودانية أشار بكل الأحوال إلى إقليم دارفور باعتباره أحد ملفات النقاش بين البشير وامير قطر. بكلتا الحالتين خرج رئيس السودان ببساطة من بلاد مشتعلةٍ تطالبه بالتنحي، دون أي ضمانات قدّمها للشارع إلا أنه لم يكن ولا الجيش مسؤولين عن سقوط الضحايا (نحو 27 وفقا لإحصاءات الحكومة وأكثر من 40 وفق إحصاءات منظمة العفو الدولية)، وان مندسين حاملين لأسلحة من خارج السودان هم المسؤولون عن ذلك. على هامش الزيارة، ورغم ان البشير قد يكون الزعيم العربي الأول الذي يزور امير قطر في الدوحة بعد أمير الكويت منذ نحو ستة أشهر، إلا ان استقبال البشير في الدوحة، وفق مصادر اعلام قطرية، بدا شديد الفتور، حيث لم يستقبله الأمير تميم نفسه. الرئاسة السودانية الى اين؟ مقابل اتهامات البشير الواسعة والمتزايدة للحراك المتنامي، يصرّ الشارع السوداني على التعبير عن رفضه لاستمرار حكم البشير أكثر، ويرفض المحتجون أيضاً انتظار انتخابات الرئاسة في السودان المزمع عقدها عام 2020 (أي بعد عام من الان)، خصوصاً وقد رشح حزب المؤتمر الوطني البشير فيها، رغم المخالفة الدستورية في ذلك. ورغم تعهد الرئيس البشير بإجراء انتخابات بأجواء "حرة ونزيهة" إلا ان الاحتجاجات لا تزال تطالبه بالتنحي، ما اضطر الحزب الحاكم نفسه لاعلان مبادرة وصفت بأنها لجمع الشمل السوداني. الحزب الحاكم اعلن المبادرة باعتبارها تهدف للحوار بين مختلف أطياف المجتمع السوداني، الامر الذي لم يلقَ حتى اللحظة ردود أفعالٍ إيجابية من بقية أطياف المجتمع، خصوصا مع تزامنه باتهامات حكومية لاثنين من الأحزاب السودانية بإدارة تحركات تضرب استقرار وامن البلاد. كل ذلك يجعل مستقبل الرئاسة السودانية على المحك، خصوصاً مع انعدام الاستجابات مع مبادرات المؤتمر الوطني من جهة، وتأطير الحراك الشعبي بنقابة المهنيين الأوسع شمولا في السودان من جهة ثانية، وانعدام الضمانات من البشير بعدم الترشح لولاية إضافية من جهة ثالثة. حراكيو السودان.. الشارع السوداني المناهض لبقاء البشير لازال يصرّ على تجمعات ومسيرات احتجاجية مهما تسبب ذلك من خسائر هائلة في الأرواح وتقييد للحريات، حيث بدأت السلطات السودانية عملياً حملة ضد وسائل الاعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، لم يسلم منها مراسل قناة "العربية" السعودية، ومراسل وكالة "الاناضول" التركية. شباب سودانيون تحدثوا ل"رأي اليوم" أكدوا انهم ماضون في حراكهم، معتبرين ان طريقهم اليوم هو طريق "لا عودة" أصلا بالنسبة لحكم البشير، مشددين على حمل حراكاتهم اسم "ثورة" وانهم لن يتنازلوا عنها، رغم "الشهداء" والمصابين والمعتقلين، الذين تؤكد المنظمات الحقوقية ان اعدادهم تفوق ما تعلن عنه السلطات السودانية. بكل الأحوال، يحصل كل هذا التعقيد في المشهد الداخلي السوداني، بينما يخشى مراقبون من دخول الثورة السودانية منعطف التدخلات، وخصوصاً المجاورة منها بعد زيارة البشير لقطر الامر الذي يتوقع انه لن يكون بلا عواقب لدى دول المقاطعة في السعودية والامارات ومصر والبحرين، رغم قتال السودانيين في اليمن الى جانب الرياض وأبو ظبي. من جانب آخر، يتحفز المجتمع الدولي لقول كلمته بخصوص ما يجري في السودان عبر التذكير المستمر بكون البشير مجرم حرب وانه المسؤول عن العقوبات التي لحقت ببلاده طوال السنوات الماضية، وهو الامر الذي يستدعي المراقبة من جهة، ويتطلب من حكومة البشير التحلي بالمسؤولية .