أجرى المبعوث الخاص لوزير الخارجية القطري، مطلق بن ماجد القحطاني، مشاورات في جوبا حول مفاوضات السلام بين السلطة الانتقالية والجبهة الثورية، في خطوة فسرها متابعون بمساعي الدوحة لاستعادة حضورها الآفل في السودان بالعودة إلى خط الوساطة في ملف دارفور، فيما تبدي قوى الثورة شكوكا في نوايا قطر بشأن رغبتها شد عضد فلول البشير والتيار الإسلامي في البلد في وقت تكافح الخرطوم لتقويضهما. العرب اللندنية – اختارت قطر حلقة السلام الضعيفة في دارفور لاستعادة نشاطها المتجمد في السودان، وسعت للدخول من بوابة جوبا التي تقوم بدور الوساطة وتستضيف الحركات المسلحة لتحقيق تقدم يمهد لها لدى السلطة الحاكمة في الخرطوم للمشاركة في الوساطة السياسية، وتذويب الفجوة معها التي تلت سقوط نظام عمر حسن البشير. وأجرى المبعوث الخاص لوزير الخارجية القطري، مطلق بن ماجد القحطاني، مشاورات في جوبا حول مفاوضات السلام بين السلطة الانتقالية والجبهة الثورية، والتي تواجه مطبات كبيرة، أثرت على الهدوء والاستقرار في البلاد. وعقد القحطاني عقب وصوله، الخميس، اجتماعات مع رئيس جنوب السودان سلفاكير ميارديت، ورئيس وفد الوساطة توت قلواك، ورئيس الجبهة الثورية، الهادي يحيى إدريس، والتقى عددا من قيادات الحركات المسلحة، في مقدمتهم رئيس حركة العدل والمساواة جبريل إبراهيم، لبحث سبل التوصل لاتفاق سلام في "أسرع وقت". ووصلت مفاوضات السلام إلى مفترق طريق، وهناك نقاط حساسة يجري النقاش بشأنها تتعلق بالتمثيل السياسي والأمني للحركات المسلحة، وهي من الأسباب الرئيسية التي دفعت قطر للظهور في المشهد حاليا لضمان تمثيل جيد للفصائل التي تدعمها. وتواصلت "العرب" مع عدد من قيادات الجبهة الثورية للتعرف على ما دار في اللقاء مع المسؤول القطري، غير أنهم جميعا اعتذروا عن الإدلاء بتصريحات حول طبيعة ما دار في اللقاء، ورفضوا الكشف عن مضامينه القطرية. وفسرت مصادر سياسية سودانية الأمر بأن الزيارة كانت مفاجأة بالنسبة لهم، وغير معروف أهدافها الحقيقية، واضطرت قيادات الجبهة الثورية إلى الجلوس مع المسؤول القطري، احتراما لدولة جنوب السودان التي يقيم أغلبهم فيها. ولم يحمل الرجل أجندة واضحة بالنسبة لدارفور أو السلام عموما، ولا يعرف من اجتمعوا معه بالتحديد ماذا يريد منهم بالضبط، ولماذا ظهر في هذا التوقيت، مع أن عملية المفاوضات مستمرة منذ نحو عشرة أشهر وتعاني صعودا وهبوطا. وأضافت المصادر ذاتها أن زيارة القحطاني ترمي إلى الإيحاء بأن الدوحة يمكنها استكمال دورها السابق في ملف دارفور، والمساعدة في تحريك الأوضاع المتجمدة منذ فترة من خلال العلاقات التي تربطها بفصائل دارفور، وفي مقدمتها العدل والمساواة المعروفة بميولها الإسلاموية، ووأد النزاعات القبلية في الإقليم، بحكم ما تملكه من وجود كرسته ماديا ومعنويا طوال فترة حكم البشير. وأرجع البعض من المراقبين، تعثر مفاوضات السلام بين السلطة الانتقالية والجبهة الثورية إلى وجود أطراف دولية وأجهزة استخباراتية داعمة للحركات المتفاوضة في جوبا، وأن وساطة جوبا ترى أن الحل في إدخال هذه الأطراف على خط المفاوضات. غير أن دخول الدوحة ربما يفتح الباب أمام قوى أخرى، وفي تلك الحالة ستكون الوساطة مرغمة على دعوة جميع الجهات المؤثرة، ما يؤدي إلى عرقلة المفاوضات وليس تسهيل الطريق أمامها، والدخول في مساومات تطيل عمر الأزمة وليس العكس. ويرأس القحطاني اللجنة الخاصة لمتابعة وثيقة الدوحة لسلام دارفور، ويشغل المبعوث الخاص لوزير الخارجية لمكافحة الإرهاب والوساطة في تسوية المنازعات. ورعت قطر في يوليو 2014، اتفاق سلام في دارفور وقعت عليه حركة العدل والمساواة، ورفضته الحركات الأخرى، واتخذت الدوحة من ملف دارفور تكئة لتعزيز نفوذها في الإقليم الذي يعاني من توترات مزمنة. وأدى سقوط نظام البشير إلى صدمة لدى قطر، لأنها خسرت أهم الركائز التي كانت تستند عليها في أفريقيا، حيث مثّل السودان قاعدة مهمة لعدد من قيادات الحركات الإسلامية في المنطقة، وأخفقت في استمرار الدفء مع السلطة الجديدة، ولجأت إلى دعم فلول البشير في الشارع، ما ضاعف من توتر العلاقات بين الخرطوموالدوحة. وتلعب قناة الجزيرة دورا سلبيا في تغذية المظاهرات ضد السلطة الانتقالية، ما دفع الأخيرة إلى اتخاذ إجراءات قاسية ضدها، وصلت إلى حد غلق مكتبها في الخرطوم، وعندما استأنف نشاطه بدت الأبواب الرسمية موصدة أمام العاملين فيه. كما رفضت السلطة الانتقالية استقبال وزير الخارجية القطري محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، عندما هبط عقب سقوط البشير في أبريل من العام الماضي في مطار الخرطوم دون تنسيق مسبق مع الأجهزة المعنية، وعاد الرجل على الفور إلى بلده، وفترت العلاقات مع الدوحة منذ تشكيل مجلس السيادة والحكومة الانتقالية. وتبدو الخرطوم حريصة على توطيد علاقاتها مع جميع الدول، لكن تتخوف أن يتسبب انفتاحها على الدوحة في توصيل رسائل خاطئة للمعسكر العربي المناهض للسياسات القطرية الداعمة للإرهاب، كما تخشى أن يفضي تدخل الدوحة رسميا في أي من الملفات السودانية إلى شد عضد فلول البشير في وقت تسعى فيه الخرطوم لتقويضهم. واختارت الدوحة اللقاء مع قيادات الحركات المسلحة في جوبا لجس نبض السلطة الانتقالية وتوصيل رسالة طمأنة من خلالهم للخرطوم، بأنها قادرة على دعم الحكومة في مسألة تحقيق السلام، وحل العقد التي تعتريها في دارفور. وتدرك الخرطوم أن استعادة الدوحة زمام الأمور في هذا الملف لن يكون مجانيا، ويصب في النهاية في حصالة فلول البشير، وتشجيعهم على المضي قدما في معارضتهم للحكومة عبر تنظيم احتجاجات في أماكن متفرقة، والقيام بتحركات لتخفيف الضغوط عليهم في عملية المحاكمات القضائية لرموز الحركة الإسلامية. وقال أستاذ العلوم السياسية بجامعة الخرطوم، إبراهيم أبوالقاسم آدم، إن دخول قطر على خط مفاوضات السلام يبرهن على أنها تضررت بقوة جراء استبعادها منذ البداية من المباحثات الجارية في جوبا، وتسعى بكل ما تملك من أدوات للدخول على خط التفاوض للحفاظ على مصالحها في دارفور. وأوضح ل"العرب"، أن حركة العدل والمساواة التي تشكل القوة الأكبر في مسار دارفور، هي "جناح إسلامي تابع للدوحة، ووجدت الحركة دعماً في الحرب من قطر، التي تريد جني مكاسب من المشروعات التي دشنتها في الإقليم بعد تحقيق السلام، والحفاظ على حضورها في بعض مناطقه، وعدم خسارة نفوذها الذي عملت على تقويته لفترة طويلة".