(1) ما أصعب السير في الرمال المُتحرِّكة، ومَا أصعب الكتابة عن أحداث مُتحرِّكة ومُتداخلة تأخذ بتلابيب بَعضها البعض, وَلَعَلّ هذا هو السَّبب الذي جَعَلَ الصحف الورقية تتعرّض لحالة هجران عندما تكون الأحداث مُتسارعة، كُل حَدَثٍ يُغطِّي على الذي قبله وأحياناً يَجعله من المَاضي، وأغلَب الأحيان يَدخل في تَصَادُمٍ معه، فالذي يُريد مُلاحقة الأخبار هذه الأيام، عليه بالقنوات الفضائيّة أو التّلفونات الذّكية، حََيث التّواصل الاجتماعي لحظة بلحظة.. أما الذي يُريد تَحليلاً رصيناً عليه انتظار الصُّحف الورقيّة حتى (تجبد نفسها) وتَراكُم الأحداث ثُمّ تنظر إليها من الخارج، ولكن مع ذلك لَم ولَن تَستسلم تلك الصُّحف وتكف عن الصدور، فغريزة البقاء جعلتها تتحرّك و(تقابض جاي جاي) شِيء أخبار بَايتة, وشِيء أسرار, مع شُوية تَعليقات على بعض الجُزئيات وكل هذا طبعاً مُفيدٌ جِدّاً على الأقل للتوثيق وعدم الخُرُوج من المولد بدون حُمص. (2) الشيء المُؤكّد الآن أنّ الشّعب السُّوداني أثبت أنه شعبٌ مُدهشٌ، وأنه قَادرٌ على العودة لأيِّ مُباراة سياسية مَهمَا تأخّر فَهُو بَطَلَ (الريمونتادا السِّياسيَّة) دُون مُنازعٍ هذه الأيام, وأنّه يتحلّى بوعي سِيَاسِي لا يُمكن تَغبيشه، فهذه الثورة الديسمبرية والتي مَازالت في حالة سريان سوف تحتاج لمُجلّدات للإحاطة بها.. حتى كتابة هذه السُّطور أكبر إنجازات هذه الثورة هو أنّها أظهرت الطاقة الشبابية الهائلة التي تتحلّى بها هذه الأمة، ففي مقال لي نُشر بهذا المَكان في يوم 21 مارس المُنصرم، قلت إنّ شباب هذه البلاد أثبت أنّه رصيدٌ ضخمٌ ليس لحزب مُعيّنٍ أو جهةٍ مُعيّنةٍ أو طائفةٍ مُعيّنةٍ إنّما لكل الأمة، وإنّ هذا الشباب سيكون عَصِيّاً على الانقياد الأعمى، وإنّه إن أسقط هذه الحكومة سيكون بالمرصاد لأيِّ حكومةٍ قادمةٍ، وقلت من الأوفق لهذا الشباب ألا يُفكِّر في الحكم، بل أن يظل مُمسكاً بحق الفيتو ويرفعه في وجه أيِّ تَصرُّفٍ لا يراه مُناسباً، وبهذا سوف يجعل أي حكومة تفتح عينيها (قدر الريال أبو عشرة) و(تمشي على العجين وما تلخبطوش).. أُكَرِّر تاني وتالت، إنّني كتبت هذا الكلام يوم 21 مارس في هذا المكان أي قبل الاعتصام الذي (شنقل الريكة) بأسبوعين تقريباً والإرشيف موجودٌ. (3) ومع عظمة الإنجاز المُشار إليه أعلاه، لا بُدّ من أن نُنبِّه أنّه في هذه الساعة (ساعة كتابة هذا المقال مساء الثلاثاء 16 أبريل) بدا شيء من الخوف يدب في النفوس، فأزمة الثقة بين الشق العسكري والشق المدني طَفَحَت على السطح، فالثُّوّار يخافون من قتل الثورة في مهدها، ويخافون أكثر من سرقة الثورة، فأيِّ ثورة في الدنيا لديها قابلية عالية للسرقة، لأنّ ما تنفضه من غبار يحجب الرؤية، أمّا الذين قامت الثورة ضدهم فهم يخافون من أيِّ شَكلٍ من أشكال الإقصاء والتصفية، وهناك من عامّة أهل السُّودان من يَخاف على السُّودان (ذات نفسيه) وهو خَوْفٌ مشروعٌ ناتجٌ عن مَحَبّةٍ أو عَن قراءةٍ للأوضاع، فالنذر تملأ الأُفق، فالخَوْف في طريقه إلى أن يكون سيّد الموقف، لذلك نُناشد الجميع بتقديم العام على الخاص ونسأل الله تعالى السلامة للوطن. (4) أمهل الاتحاد الأفريقي، السُّودان مدة أسبوعين لتوفيق أوضاعه والعودة الى الحكم المدني، وكأنّما السُّودان كان يتمتّع بحكمٍ مدني، ولكن القضية الأخوف هي أن اتحاد كرة القدم الأفريقي (كاف)، قرّر أمس نقل مباراة الإياب بين الهلال السوداني والنجم السَّاحلي التونسي من إستاد الهلال (المقبرة) إلى القاهرة، وهذا يعني أنّ الهلال سوف يُهاجر إلى القاهرة ليلعب دُون أيِّ سندٍ جماهيري.. قُول وَاحد..!