صعوبة التعامل مع الإخوان تكمن في أن الجماعة ممثلة في حزب المؤتمر الوطني وحزب المؤتمر الشعبي استطاعت أن تكوّن إمبراطورية مالية تقدر بحوالي 30 مليار دولار. تسير القوى الفاعلة في السودان على أشواك عديدة في طريق تحويل الاتفاق الذي توصل إليه المجلس العسكري الانتقالي وقوى الحرية والتغيير أخيرا، إلى خطوات تنفيذية على أرض الواقع، في ظل عدم حسم جملة من الملفات الحيوية، على رأسها عدم التوصل إلى اتفاق سلام بين الحركات الثورية والمسلحة، وتجاهل الدخول في ترتيبات أمنية تسمح بإعادة هيكلة القوات المسلحة لتكون جيشا وطنيا خالصا موحدا، مع استمرار هيمنة تنظيم الإخوان على الكثير من مفاصل الدولة السودانية. العرب اللندنية – كشفت ندوة عقدت في الجامعة الأميركية بالقاهرة مساء الاثنين مجموعة من القضايا المسكوت عنها، تؤكد أن هناك أشواطا كثيرة في الأزمة التي يتابع العالم تفاصيلها حاليا، وتحتاج مواجهتها بوضوح كي يتسنى وضع النقاط على الحروف. وقال صلاح مناع، مساعد رئيس حزب الأمة القومي السوداني، إن الطرفين المتفاوضين في الاتفاق الذي توصل إليه المجلس العسكري الانتقالي وقوى الحرية والتغيير يقومان بصياغة خطاب موحد سيصدر عنهما بشأن ترتيبات المرحلة المقبلة، غير أن إقرار الاتفاق من دون إنهاء جملة من الأزمات يجعل شبح الحرب الأهلية حاضرا في المستقبل. وحل مناع، وهو أحد القادة البارزين في تحالف الحرية والتغيير، ضيفا في الندوة التي عقدت بعنوان "الثورة السودانية.. الفرص والتحديات"، بحضور الشفيع خضر القيادي السابق بالحزب الشيوعي والناشط السياسي البارز، وإبراهيم البدوي مدير منتدى البحوث الإقتصادية السوداني، وأدارها حامد التيجاني أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأميركية. وأشار مناع إلى أن قوى الحرية والتغيير تبذل جهدا موازيا للتوصل إلى اتفاق إطاري مع قادة الفصائل المسلحة بجانب الاتفاق الأكبر مع المجلس العسكري، وأن وفدا غادر إلى أديس أبابا، مهمته الأساسية التمهيد لهذه المسألة. واستفاض صلاح مناع في الحديث عن الترتيبات الأمنية المطلوبة لتنفيذ الاتفاق، في ظل وجود جيوش مختلفة وتنظيمات عسكرية وأنظمة أمنية موالية للنظام السابق، وميليشيات متباينة سوف تعيق تنفيذ أي اتفاق بصورة سلسة لكثافة وجودها في الشارع. وتطرق إلى ميزانية بعض الميليشيات، وأكد أنها تقدر بمئات الملايين من الدولارات، وإلى أن تنظيم الإخوان نجح في أن يؤسس لانقلابه على السلطة من خلال توظيف عدد كبير من التابعين له في المؤسسة العسكرية، وأن هذه التداخلات تخلق مع وجود أكثر من 500 ألف قطعة سلاح في أيدي مواطنين، بعيدا عن هذه الجيوش المختلفة، فوضى أمنية ما لم يتم التوصل إلى ترتيبات تقضي بتنفيذها خلال الستة أشهر الأولى من تطبيق الاتفاق. وذهب البعض من المشاركين في الندوة وغالبيتهم من السودانيين المقيمين في مصر، للتأكيد على أن هناك أصواتا داخل الجيش غير راضية عن الوضع الراهن، وفئات من المعارضة تضغط حاليا للتوصل إلى اتفاق إطاري آخر يضع جميع التركيبات المسلحة تحت إشراف المؤسسة العسكرية. وألمح مناع إلى حاجة السودان لمساعدات إقليمية فاعلة لإعادة بناء جيش يستطيع أن يحفظ السودان ويبقى بعيدا عن العقائدية التي تؤدي إلى تفسخ أي قوة عسكرية، لافتا إلى ضرورة وجود إرادة سياسية داخلية للتعامل مع السلاح الذي وضعته جماعة الإخوان وحلفاؤها داخل مستودعات عديدة. واتفق كثيرون على اعتبار السودان مركزا لتنظيم الإخوان بعد سقوط الجماعة في مصر ومحاولات تمديد قوته إلى ليبيا، ما يجعل من مهمة إسقاط النظام الذي أسسه البشير منذ 30 عاما صعبة للغاية. وتكمن صعوبة التعامل مع الإخوان في أن الجماعة ممثلة في حزب المؤتمر الوطني وحزب المؤتمر الشعبي استطاعت أن تكوّن إمبراطورية مالية تقدر بحوالي 30 مليار دولار، بجانب وجود أكثر من 7 آلاف شركة تسيطر بشكل كامل على الاقتصاد السوداني، في وقت ذهبت فيه ثروات البلاد من الذهب إلى شركات خارجية تابعة للتنظيم أيضا. وأنتج السودان نحو 100 طن من الذهب في العام 2017، وتم تهريب نحو 70 بالمئة من الإنتاج إلى الخارج، مع سعي المنتجين للالتفاف حول القواعد التنظيمية التي تتطلب بيعه إلى البنك المركزي بالعملة المحلية وبسعر أقل كثيرا من السوق السوداء. ويمثل تنظيم الإخوان سدا منيعا أمام عملية التحول الديمقراطي، في وقت بدا فيه المجلس العسكري كأنه يكرس جهوده لإضعاف القوى الثورية، بالتوازي مع الثورة المضادة بقيادة المؤتمر الوطني، الذي ينظم اجتماعاته بشكل علني ومستمر حتى الآن، ما يبرهن على أن ما يجري التخطيط له بالنسبة للتنظيمات الإسلامية على مستوى الإقليم بعد فترة من الانتكاسات سوف يؤثر في السودان. وحمل انعقاد الندوة في القاهرة في هذا التوقيت تحولا في الموقف المصري الذي بدا منفتحا على تحالف الحرية والتغيير أكثر من أي وقت مضى، والتقى حسام عيسى السفير المصري في الخرطوم قيادات تنتمي للتحالف، ودلالة على عدم صواب الكلام عن انحياز القاهرة تماما للمجلس العسكري، لأن وجود قيادات من الحرية والتغيير وانعقاد هذه الندوة في مصر إشارة يمكن اتخاذها علامة على وقوفها على مسافة واحدة. وشدد صلاح مناع على أن القاهرة كانت أحد المؤثرات الفاعلة في إتمام الاتفاق بين المجلس العسكري والمعارضة، بعد أن دفعت الاتحاد الأفريقي لاتخاذ قرارات عاجلة لتسريع وتيرة الوساطة الإثيوبية وتأييد الخطوات التي أقدم عليها محمد الحسن لبات مبعوث الاتحاد الأفريقي إلى الخرطوم، بما ساهم في تقريب وجهات النظر. وأوضح الشفيع خضر أن التحدي الأكبر أمام السودان يرتبط بتنامي الصراع في منطقة البحر الأحمر، بعد أن أعاد الرئيس المعزول صراع القواعد الأجنبية إلى السودان، ما خلق صراعا موازيا تدور بعض معالمه في مينائي سواكن وبورسودان، بما يجعل التدخلات الإقليمية حاضرة في جميع التوافقات الداخلية. وأضاف أن طموحات بعض الأطراف دفعت بعض الدول (لم يسمها) لتحريك أذرعها داخل السودان لإعلان رفض الاتفاق التاريخي بين الحرية والتغيير والمجلس العسكري، وتعد هذه المواقف إشارات إلى طبيعة المرحلة القادمة التي سوف تتأثر حتما بتداعيات سياسات البشير التي حولت السودان ليكون طرفا فاعلا في صناعة المحاور والحروب. ويعتقد متابعون أن احتواء البشير للتنظيمات الإرهابية وسماحه بمرور داعش عبر الأراضي السودانية إلى مناطق أخرى جعلا العلاقة مع دول الجوار متوترة إلى حين تخطي تلك المرحلة وتقديم ما يثبت جدية النظام الجديد في التعامل معها كمكافحة الإرهاب لتحسين العلاقات مع تلك الدول. وقال الشفيع "على سودان المستقبل تحديد علاقاته وفقا للمصالح المشتركة وليس الحسابات الأيديولوجية، والخروج من الحسابات المعقدة التي تسبب فيها البشير سيكون أمرا بالغ الصعوبة، وعلى السلطة الحاكمة المحافظة على وحدة السودان وعدم السماح بمزيد من الانفصالات التي ترتبط بمشروع الشرق الأوسط الكبير الذي نجح في فصل جنوب السودان". ولفت إلى أزمة أخرى مرتبطة بالإقليم تتمثل في تفضيل بعض البلدان التعامل مع سلطة عسكرية داخل السودان وعدم رغبتها في وجود أطراف مدنية على رأس سدة الحكم، وهو ما يجب التعامل معه بتحديد شكل العلاقات مع الإقليم عقب تشكيل المجلس السيادي. وكشفت ندوة الجامعة الأميركية أن التحدي الأكثر أهمية يرتبط بالمعارضة بشكل عام وقوى الحرية والتغيير على وجه التحديد، وعليها التحول من قوى ثورية تحرك الشارع إلى أخرى موجودة في السلطة وتضع السياسات والبرامج، وهو أمر كان يجب أن يكون سابقا على أي اتفاق مع المجلس العسكري. ويعزز ذلك أزمة الثقة المفقودة بين الشعب السوداني والثورة من جانب والمجلس العسكري من جانب آخر، ما يستلزم الترميم السريع من خلال البدء في تحقيق عادل في عملية فض اعتصام المحتجين أمام وزارة الدفاع في 3 يونيو الماضي، وتعثر تلك التحقيقات يفضي إلى المزيد من الاحتكاكات بين الجيش وقوى الحرية والتغيير ويؤثر على مسيرة المرحلة الانتقالية. واقترح صلاح مناع على الاتحاد الأفريقي تشكيل لجنة مصغَرة من المراقبين تضم في عضويتها عدة دول، بينها مصر ورواندا وجنوب أفريقيا، لمراقبة عملية التحقيق وتنفيذ بنود الاتفاق وتقديم مساعدات فنية إلى اللجنة المستقلة التي تتولى عملية التحقيق. وتتجاوز التحديات في السودان ما هو سياسي، فهناك ملفات اقتصادية شغلت حيزا كبيرا في الندوة، أشار إلى بعضها إبراهيم البدوي مدير منتدى البحوث الاقتصادية، ومنها أن السودان بحاجة إلى عقد اجتماعي جديد بديلا عن فترة التمكين التي تحكمت فيها فئة معينة (تنظيم الإخوان)، واحتلته أرضا وشعبا. أحمد جمال