كم يبلغ سعر الإنسان ؟ السؤال ليس مفخخا لتوريط القارئ في تهمة الاتجار بالبشر، ولكنه مرتبط بملاحظة أخرى، وهي أن بعض المرضى يرقدون على أسرة المرض، وهم في أحوال صحية متردية، ولا تصبر عليهم سوى المستشفيات المرفهة ذات التكاليف العالية في كل شيء، وبند الصرف مفتوح إلى أن يخرج المريض من محنته .. حيا أو ميتا !! مثل هذه المستشفيات، تستقبل المريض، وتصبر عليه وعينها على جيوب ذويه، فكل شيء بثمن، وعلى المضطر أن يدفع ويدفع ويدفع، وفي النهاية قد يسعى لإخراج مريضه من المستشفى .. ليلقى مصيره المحتوم في البيت دون خسائر إضافية في الأموال ! الحالات الميئوس منها، لا أعرف كيف يتم تحديدها بالضبط، لكن ما نسمعه، أن الطبيب المشرف على الحالة .. هو من يتولى مصارحة ذوي المريض بخطورة حالته، وقد ينصحهم بأخذه للمنزل، بما يعني المسارعة لتسديد الحساب للمستشفى الخاص، والرضا الاستباقي بسحب العناية من المريض . ليواجه مصيره المحتوم بقرار ليس هو بين متخذيه ! لا أحد يتمنى أن يعيش ذلك الموقف، مريضا كان أو مرافقا أو من ذوي المريض، فليس أقسى على النفس من مواجهة الحقيقة المؤلمة بأن الحالة خطيرة وميئوس منها، وليس أقسى أيضا من همس الطبيب لذوي المريض .. أن خذوا مريضكم إلى المنزل، مع تلطيف العبارة بالقول إن بالإمكان إحضاره إذا جد جديد في حالته ! الناس في هذه الحالة تكون بين كل الخيارات المريرة، فهناك احتمالات التشخيص الطبي غير السليم، وهناك احتمالات توفر فرص أفضل للحياة وهزيمة المرض في مشافي أخرى داخل الوطن أو خارجه، وهناك احتمالات حدوث التحسن أثناء انتظار المريض في المستشفى ذي الفواتير الناحرة، فيلهث أهل المريض في كل الاتجاهات، وفي كل الأحوال فإن خسائرهم المادية قد تصل لمئات الملايين بالقديم، لكنهم إذا كانوا مقتدرين فقد يحظى مريضهم بفرص افضل في الحياة، أما إذا كانوا كسائر الخلق من البقية الباقية .. فلا بد أنه سيسقط في أيديهم، وسيلجؤون إلى خيار (خذوا مريضكم) بكل قسوته وأوجاعه . شخصيا .. أعرف مرضى ممن كانت حالاتهم ميئوسا منها، فإذا بهم يتعافون ويعودون للحياة بصحة وحيوية، وأعرف آخرين .. ممن كانوا يعانون من أمراض خفيفة، ساءت حالاتهم، وانتقلوا إلى الرفيق الأعلى. أظن أن علينا التنادي لصيغة طبية إنسانية اقتصادية تأمينية .. تتولى فيها جهات متعددة ومتضامنة في القطاعين الخاص والعام مهمة رعاية الحالات الحرجة، فلا تكون خاضعة لابتزاز، ولا تتلاعب بها احتمالات (خذوا مريضكم)، على أن تتحمل المرافق الصحية الخاصة جزءا من تكلفة العلاج والعناية، باعتبارها ضريبة إنسانية تتحملها تكافليا مقابل ما تحققه من إيرادات وأرباح طائلة . ليس من مجال أمام المجتمع، وقد عاش الضيق حتى لم يعد في جسده مكان سليم من الأذى .. إلا أن يتكافل .. على كل المستويات، لتستمر سفينة الحياة في إبحارها، فقد رأينا ما حاق ويحيق بنا وبأبنائنا وبناتنا، ورأينا الشلل الكامل الذي حاق بالدولة في حل الضوائق وخصوصا الصحية، والمرض زائر لا يستثني أحدا من الناس . سعر الإنسان أغلى من كل رقم مادي، فلنسارع بحمايته قبل أن تفجعنا عبارة (خذوا مريضكم) ..