{ لا تصدر حكماً ضد كاتب هذه السطور لمجرد إشاعته لطرفة من مجالس الأنس عبر صحيفة واسعة الانتشار ك (المجهر).. والطرفة أو (النكتة) التي تسير بها الركبان هذه الأيام أن سودانياً يتلقى العلاج بأحد المشافي الداخلية قد توفي فيه بسبب خطأ طبي.. وتم دفن الجثمان وحملته الملائكة لخازن النيران، ولكن لم يجدوا اسمه ضمن أهل النار، فأخذوه لخازن الجنان ولم يجدوا اسمه أيضاً، فسأل الملائكة عن المتوفى من أي البلدان فقالوا إنه سوداني، وبمراجعة القوائم اكتشفوا أن المتوفى لا يزال في عمره إحدى عشرة سنة، ولكن الأخطاء الطبية حملته للآخرة قبل انقضاء عمره المكتوب!! { والسودانيون هذه الأيام يهرعون للمستشفيات الخارجية بحثاً عن العلاج وخوفاً من أخطاء الداخل، التي ساهم الإعلام من حيث أراد الإصلاح، في تضخيمها، حتى بات من يذهب للمستشفى لإجراء عملية صغيرة يخشى أن تذهب روحه لخطأ تخدير أو جراحة.. { انتابتني هواجس شخصية وأنا مقبل الأسبوع الماضي على إجراء عملية جراحية لزوجتي.. وما بين مستشفى أم درمان للولادة (الدايات) والمستشفى (السعودي)، حيث أمهر الأطباء، ومستشفى (سوبا) الجامعي، كانت الخيارات أمامي صعبة جداً.. وبفضل البروفيسور "القوني" أحد مفاخر السودان في طب النساء والتوليد اتجهت إلى مستشفى (سوبا) الجامعي.. ورغم بعد المسافات إلا أن الأيام الثلاثة التي مكثتها في المستشفى جعلتني مقتنعاً بأن الطب في السودان بخير، وأن الصورة الشائهة للأطباء والمستشفيات ظالمة جداً لمهنة من أنبل المهن.. في مستشفى (سوبا) يجد المريض عناية فائقة من الأطباء، صغارهم وكبارهم، ويسهر الممرضون والممرضات من مغيب الشمس حتى طلوعها من أجل المرضى.. وكبار الاختصاصيين كالدكتور "عبد المطلب إمام" كبير اختصاصيي النساء والتوليد يهرع في هجعة الليل لمساعدة الأطباء إذا تعثرت عملية ولادة. وفي قسم الأطفال حديثي الولادة عناية خاصة جداً من الطبيبين "مبارك آدم" و"إيمان عبد الله"، والمستشفى الذي يتبع لجامعة الخرطوم ينتهج سياسة مرنة مع زوّاره دون تشدد و(معاملة) بوليسية مع الذين يعاودون المرضى.. ولكن الصورة الشائهة عن الأطباء والمستشفيات تغطي أحياناً على الإشراقات الكبيرة لأطباء السودان ومشافيهم، ولكن القائمين على أمر وزارة الصحة يسودون سيرة الطب بسوء التقدير والمعارك التي يخوضها الوزراء مع الأطباء.. وتداخل المصالح الخاصة لبعض المستثمرين في الحقل الطبي مع المصالح العامة.. { مستشفى (سوبا) الذي شُيّد عام 1975 لا يزال يحتفظ بألقه القديم وخدمته لقطاعات الفقراء والمساكين، ويتمسك الأطباء الحقيقيون من رسل الإنسانية بالعمل فيه، بينما الأطباء المستثمرون يهرعون إلى (الزيتونة) و(فضيل) و(رويال كير) ابتغاء المال والكسب الحلال السريع.. ولكن مشافي الحكومة لا بواكي عليها..