صباح أمس كنت (وسط الزهور متصوّر).. كانوا كزهور الحديقة نضرةً وألقاً وعطراً.. أرتال السيارات تتدفق صباحاً في الشوارع هادئة، وربما مُتعبة بسبب غلاء البنزين، تنقل التلاميذ إلى ساحات العلم والتربية.. الشمس في هذا الجو الخريفي البديع تظهر حيناً وتختفي حيناً وراء كتل من السحب الداكنة والمبشرة بغيث عميم، رغم أحقاد وغدر الحركة الشعبية بأبناء جبال النوبة.. في ساحات المدرسة الرحيبة انتشرت زهراتنا مرتدية حُللاً زاهيةً تستقبل عاماً دراسياً جديداً.. درجت كثير المدارس الطلب من أولياء الأمور اصطحاب أبنائهم في أول يوم دراسي في السنة الجديدة، وفي ذلك لعمري أسلوب تربوي حصيف.. طول الإجازة و(الركلسة) تطبع الأبناء – خاصة تلاميذ الأساس - بالطبع (البيتوتي)، فيعود الطفل القهقري لا يريد مفارقة أمه وذويه.. هنا يكون وجود الأب أو الأم مهماً لامتصاص التوتر وتشجيع التلميذ على استئناف مسيرته التعليمية.. كم كانت أصواتهم وضحكاتهم قبيل الطابور الصباحي مبهجة، ترن في الآذان كأنها نواقيس أيام الأعياد.. همّهُم على غيرهم، وقديماً قالوا لنا (إن خلاني قديرك يالهمك فوق غيرك)، تعبير مُلاطفة كثيراً ما سمعناه من والدينا، واليوم هو لسان حالنا، أطفال الأمس آباء اليوم.. تعب الآباء وكابدوا عنت الإجراءات الاقتصادية وروشتات البنك الدولي ليوفّروا الحد الأدنى من متطلبات التعليم.. التعليم الذي غدا سلعة استثمارية، خاضعة لكيمياء السوق التي لا ترعى في الآباء إلّاً ولا ذمةً.. أشك في نظرة الدولة للتعليم، فلم تعد تعتبره واحداً من مقومات الأمن القومي.. تركت الحبل على الغارب، فهرب الناس واستجاروا بنار التعليم الخاص من رمضاء المدارس الحكومية. صحيح أنني ذهبت لمرافقة صغيري حسبما طلبت المدرسة، لكن أجواء الدراسة بهرتني وحركت أوتار الذكريات في وجداني، فوجدت متعة وأنا أراقب خلية النحل التي بدأت نشاطها.. عندما قرع الجرس بعد طول بيات صيفي، هرع التلاميذ يصطفون في أول طابور.. الضحكات تحولت إلى همهمات، وعندما هم كبير المعلمين لمخاطبة الطابور سرعان ما دب الصمت البهيم، فعلت الجدية والصرامة تلك الزهرات النضرة، حتى أن التلاميذ لم يعيروا التفاتة أو بالاً لآبائهم وكل واحد منه يحاول من على البعد أن يلوّح لأبنه مزهواً به.. ترحيب حار ووصايا لقمان الحكيم لابنه.. ذاكروا دروس اليوم باليوم ولا تؤجلوا الواجب.. أحضروا فقط الكتب والكراسات حسب جدول كل يوم، حتى لا تضطروا لحمل أثقال فوق أثقال من الكتب والكراسات.. عقب الوصايا الأبوية كرمت المدرسة طالباً نجيباً أحرز مجموعاً وقدره (279) في ختام مرحلة الأساس، لم ينقص من المجموع الكامل سوى درجة واحدة.. بكل ثقة ألقى الطالب النجيب ومن خلفه أبواه كلمة معبرة شكر فيها معلميه بأسلوب سلس، وبكلمات شافيات قدم لأقرانه نصائح مفيدة.. هكذا كانت تباشير العام الدراسي الجديد في صباح أول يوم في واحدة من آلاف مدارس بلادي (الحدادي مدادي).. ليحفظ الله أبنائنا أكبادنا تمشي على الثرى.. ليحفظ الله أطفالنا هناك في جبال النوبة وهم يبدأون عامهم بإرهاب الحركة الشعبية حاملة لواء الاغتيالات السياسية.. بالله عليكم كيف بدأ العام الدراسي الجديد عند أبناء الشهداء إبراهيم بلندية ورفاقه الذين اغتالتهم يد الحركة الشعبية في جبال النوبة الجمعة المنصرم؟.. سينتقم الأبناء لآبائهم الشهداء بمزيد من التعليم وتحصيل العلم.. كل غدر وخيانة الحركة الشعبية عاجزة عن إطفاء شموع التعليم في ربوع بلادي. آخر الكلام: لاشك أن تربية الأطفال تحدٍّ كبير لأولي العزم من الآباء والأمهات، كذلك فإن التنشئة الاجتماعية تحدٍّ يواجه المجتمع بأكمله أو الدائرة الأوسع التي تتعدى نطاق الأسرة الواحدة.. التنشئة الاجتماعية عملية تعلم وتعليم وتربية، تقوم على التفاعل الاجتماعي وتهدف إلى إكساب الفرد عندما يكون طفلاً مروراً بمرحلة المراهقة وانتهاءً بالرشد والشيخوخة سلوكاً ومعايير واتجاهات مناسبة لأدوار اجتماعية معينة، تمكنه من مسايرة جماعته والتوافق الاجتماعي معها، وتكسبه الطابع الاجتماعي، وتيسر له الاندماج في الحياة الاجتماعية. فهي عملية تهدف إلى دمج الفرد في الجماعة وتكيفه مع أنماط وسلوك وأعراف وتقاليد المجتمع بشكل تدريجي وتسلسلي.