أدركوا مستشفى الخرطوم يا قوم، فالكهرباء قد تنقطع عنه في أي لحظة، حيث تشير المعلومات إلى وجود عجز في توفير الكهرباء بالمستشفى يبلغ 80 مليون جنيه شهريا. سبب العجز، وفقا للخبر الذي أوردته الصحفية النشطة فاطمة عوض، ونشرته هذه الصحيفة في صفحتها الأولى أمس، هو عدم التزام وزارة المالية بسداد ميزانية الصرف الفعلي لتسيير المستشفى. المسألة إذن مرتبطة بالميزانية التي اتسعت فتوقاتها، وما دام الامر كذلك، فليس مستغربا ما حمله الخبر من إضافة باكية، وهي أن نقص المال أدى أيضا إلى عجز في توفير الأكسجين والمستهلكات والغذاءات في المستشفى العريق .. الذي تهوي إليه أجساد المرضى من كل بقاع السودان . بصراحة .. لا أريد توجيه سهام النقد لوزير الصحة الولائي البروفيسور مامون حميدة، فالرجل قد شبع من انتقاداتنا القاسية، وعمل ما يستطيع من أجل الاستفادة من نقد الصحافة، لكن المشكلة الاقتصادية الحالية هي أكبر من إمكاناته .. بل أكبر من إمكانات الولاية ذاتها، فقد عمت الآثار كل مرافق الحياة، وفتكت بجيوب الناس أولا .. لتتجاوز الآن اللحم الحي إلى العظم . اقتنعنا الآن أن الخزينة خاوية، لكن الحكومة الولائية وأمها الحكومة المركزية لم تقتنعا، وما زالت الميزانيات الشحيحة المتبقية .. تصرف في مجالات لم نر لها مردودا، ومن ذلك التوجيه لغرف عمليات الخريف، على مستوى رئاسة الوزارة الولائية والمحليات، بالبقاء في الميدان على مدار الساعة، لمتابعة تصريف المياه أثناء هطول الأمطار، في حين أن أمطارا تمهيدية زارت العاصمة قبل أيام، أحالت في خلال دقائق قلب الخرطوم في منطقة العربي والاستاد .. إلى بؤرة للمياه والطين دون أن نحس أثرا لجهود التصريف ! إن صرف أي قرش، يجب أن تراعى فيه الأولويات، والقروش التي يتم إهدارها في تصريف للمياه لا نحس به، خير أن نصرفها في (أكسجين) نوفره لمستشفى الخرطوم (القومي)، وفي دفع قيمة الكهرباء التي لا ترحم جمرتها الخبيثة مريضا أو متعافيا ! أخطر ما في التداعيات للميزانية المعطوبة، هو مساسها الآن بقطاعات صحة الإنسان، وأخطر ما تجرنا إليه قرارات رفع الدعم عن المحروقات، هو آثارها على المواطن في كل بقاع السودان، حيث نعرف الآن معاناة مستشفى الخرطوم، لكننا لا ندري ما يحدث في مستشفيات دنقلا أو نيالا أو كسلا أو القضارف، والتي لن تكون بأي حال من الأحوال بأحسن من مستشفى الخرطوم . أظن أن السحر قد انقلب على الساحر، فوزارة المالية باتت الآن الأكثر معاناة من الآثار الاقتصادية للمعالجات التي تبنتها، وباتت مشتتة في محاصرة التداعيات من كل جهة، وليس آخر تلك التداعيات ما حملته أخبار القضارف أمس، من أن الوزارة فشلت في سداد 50% من تمويل الموسم الزراعي الحالي، مما يتهدد بإفشال الموسم بأكمله. التقشف والترشيد في الميزانية الفقيرة .. لا يكون بتقليص الوزراء ودمج المرافق وتقليل مخصصات الدستوريين، لكنه، أيضا، يكون بإعادة ترتيب الأولويات، والنظر في المسارب التي تستهلك أموالا طائلة، وهي مسارب تعرفها الحكومة جيدا، لتصبح كل الموارد المتاحة في خدمة أساسيات الحياة لإنسان السودان. أدركوا الصحة في مستشفى الخرطوم وكل مستشفيات السودان، فلا أولوية تعلو على صحة الناس .. لو تعلمون !