بقلم – عادل عبده من كان يصدق ذهاب هؤلاء الكبار، الأستاذ "علي عثمان" والدكتور "نافع" والدكتور "الجاز" والدكتور "المتعافي" والأستاذ "كمال عبد اللطيف" والأستاذ "أسامة عبد الله" والدكتور "أمين حسن عمر" عن دفة قيادة الحكم بين عشية وضحاها؟ وكيف قابل الشارع العام والمراقبون السياسيون تلك القرارات الدراماتيكية بإعفاء هذا الطاقم الأعلى من صولجانه؟ التأويلات والاستنتاجات التي ظهرت على السطح جراء تلك الأحداث الملحمية كانت كثيرة ومتنوعة، فهنالك من كان يرى وجود اليد الطولى للعامل الخارجي في المنطقة العربية من وراء الخطوة، بينما راهن البعض على زيادة قبضة العسكر في مفاصل السلطة من خلال صيغة مرسومة وبذات القدر كانت في ثنايا التأويلات والتعليقات ما يشير إلى أشياء أخرى مذهلة في الطريق. كان "علي عثمان" يمثل كاريزما تاريخية للحركة الإسلامية والقيادي الأكبر في التوليفة الحاكمة، بينما كان الدكتور "نافع" يعبر عن دينمو الإنقاذ، فيما ارتبط الدكتور "الجاز" بنجاحات البترول ولم يستطع الإعلام المناوئ أن يُخبي نجومية "المتعافي"، وكذلك التصق "كمال عبد اللطيف" باكتشافات المعادن، و"أسامة عبد الله" بالكهرباء والسدود، بينما ينظر إلى الدكتور "أمين حسن عمر" بأنه من أبرز مفكري النظام. هؤلاء الكبار سقطوا كجلمود صخرٍ حطه السيل من علٍ، فكان الحدث أسطورياً وملحمياً جعل الكثيرين يقولون إن من وراء هذه القرارات الهائلة إستراتيجية غير مسبوقة ستطبق على جميع مجالات الحكم في المستقبل.. غير أنه لا يمكن إزاحة ركن مهم في دولاب الدولة إذا لم يكن هنالك سيناريو مطبوخ على نار هادئة وفكرة عميقة تلمع من الذكاء والهدف المباشر.. وأي عمل كبير يحدث تغييرات مذهلة وأوضاع كبيرة يجب أن تسبقه الاستعدادات المرسومة والتحضيرات الدقيقة.. فهل هذه المعطيات انطبقت على قرارات إزاحة هؤلاء الكبار؟! الإشكالية الخطيرة التي حدثت في أروقة الحكم والمؤتمر الوطني انعكست في إخفاق عناصر الشباب في التمدد إلى الأمام بعد أن وجدت الطريق مفروشاً بالورود على خلفية ذهاب الكبار في المجال التنفيذي والحزبي، فكان هنالك تراجع ملحوظ في أداء الكهرباء ومسار التعدين، بل ارتج ميزان الطمأنينة التي تقدم للجمهور من هؤلاء القيادات الشابة علاوة على غياب مفعول الإعلام السحري في الساحة ولم يكن هؤلاء الذين صعدوا على درج الكبار على قدر المسؤولية والتحدي وكان تخبطهم هائماً في الأجواء وسهامهم ترتطم بالعارضة، بل لا يريدون أن يمنحوا المواطن المكدود حتى الإحساس بالتفاؤل والجمال.. ها هو الدكتور "قطبي المهدي" القيادي بالمؤتمر الوطني يقول إن سياسة إبدال الوجوه القديمة بأخرى شابة لم تكن بالضرورة مسألة إيجابية.. وعلى ذات المنوال تتمنى القيادية في الحركة الإسلامية "عائشة الغبشاوي" أن يكون غياب "علي عثمان" و"نافع" و"كمال عبد اللطيف" لعمل كبير قادم! بل المفاجأة تكمن عندما قال الإمام "الصادق المهدي" خلال الأيام الفائتة في القاهرة لزميل صحفي إن خطوة إبدال قيادات الإنقاذ ذات الخبرة والدراية والرمزية بعناصر أخرى لم تكن عملية موفقة! المؤتمر الوطني يواجه الآن تحديات جسيمة تتمثل في المشكل الاقتصادي وآثاره الكالحة على المواطن المسكين، فضلاً عن تعقيدات التفاوض حول المنطقتين وتطورات الأزمة الدارفورية، وظهور سوء العلاقة مع الجنوب، علاوة على فاتورة الحوار الباهظة والعلاقة الغامضة مع المؤتمر الشعبي بعد رحيل الدكتور "الترابي"، لا شك أن تلك القضايا المتشابكة تحتاج إلى أصحاب النكهة السياسية العميقة والإلمام الذكي بأسلوب العمل السياسي المواكب.. فهل مثل هذه الأحوال تفتح الطريق لعودة الوجوه القديمة في المؤتمر الوطني إلى دفة قيادة العمل التنفيذي؟ فالمقصود هو امتلاك هؤلاء للنفوذ والقدرة السياسية القوية من جديد دون التركيز على الشكل والعنوان. المحصلة تؤكد أن الظروف المواتية تحتم تطبيق الحسابات الصحيحة والحاجة إلى رافعة قوية على الجسد المثقل بالهموم والبلايا، بدلاً عن الرهان على النشوة الشبابية البراقة.